نموذج متكامل بين الفلاحة وتربية المائيات

مزرعة توارس... استثمار يجمع الابتكار بطموح الشباب

مزرعة توارس... استثمار يجمع الابتكار بطموح الشباب
  • 226
سميرة عوام سميرة عوام

في صباح يوم مشمس، بدأت رحلتنا التي كانت أكثر من مجرد زيارة ميدانية عادية. كانت رحلة لاكتشاف مشروع شبابي مبدع في قلب قرية الخوالد، التابعة لبلدية التريعات بولاية عنابة. بطل هذا المشروع هو عبد الستار توارس، الشاب الجامعي المتخصص في البتروكيمياء، الذي يعمل بين الخليج وبلاده، لكنه لم ينسَ حلمه في إنشاء مزرعة نموذجية تُحدث فرقًا في منطقته.

 الساعة كانت قد تجاوزت الثامنة صباحًا، عندما وصلنا إلى نقطة اللقاء، وكانت السيارة جاهزة للانطلاق. زميلنا يوسف، كان قد سبقنا وبدأ في تجهيز السيارة التي ستقلنا نحو هذه الوجهة الفريدة. ضم فريقنا زميلتين من مصلحة تربية المائيات، التابعة لمديرية الصيد البحري بعنابة، وهما آسيا وليليا، وقد ساد الفريق حماس كبير، لمعرفة تفاصيل المشروع عن قرب.

في الطريق، دار الحديث حول مختلف جوانب المشروع، وكيف استطاع عبد الستار، هذا الشاب العنابي، أن يجمع بين خلفيته الأكاديمية في البتروكيمياء، وخبرة مهندس زراعي قادم من سنغافورة، لتطوير نموذج مبتكر يجمع بين الفلاحة وتربية المائيات. كانت الفكرة قد بدأت كمشروع صغير، لكن سرعان ما اكتسب زخمًا، بفضل نتائجه المشجعة واهتمام السلطات بها.

عند وصولنا إلى المزرعة، فتحت أمامنا بوابة الحياة: أشجار مثمرة من نوع "كليمونتين"، مزروعة بتنظيم دقيق، وأحواض مائية متألقة في الأفق. بدأ المشهد وكأنه لوحة تجمع بين الطبيعة والتقنية. استقبلنا عبد الستار بابتسامة عريضة، وكان واضحًا مدى فخره بما تحقق.

حين تلتقي الفلاحة بتربية الأسماك

بدأ عبد الستار جولتنا، بشرح تفاصيل نظام الدمج بين الفلاحة وتربية المائيات، حيث تم في البداية، اعتماد تجربة تربية سمك "الكارب" في أحواض مائية، تُستخدم مياهها لاحقًا لري الأشجار المثمرة. هذا النظام البيئي المتكامل، أثبت فعاليته، إذ ساهم في تحسين جودة التربة وزيادة الإنتاج دون اللجوء إلى أسمدة كيميائية.

ولم تتوقف التجربة عند هذا الحد، إذ توسع المشروع باستزراع 3 آلاف وحدة من سمك "التلابيا"، بالتعاون مع مديرية الصيد البحري، وباستقدام الأسماك من ولاية مجاورة. سمك "التلابيا" أثبت ملاءمته للبيئة المحلية، وساهم في تعزيز التنوع البيولوجي داخل المزرعة، في توازن بيئي واقتصادي واضح المعالم.

دعم رسمي يُترجم الحلم إلى واقع

لم يكن نجاح المشروع ليتحقق، لولا الدعم الفني واللوجستي من مديرية الصيد البحري، التي أولت أهمية خاصة لهذا النموذج. وقد زار المزرعة وفد رسمي، ضم السيدة شاناز أميرة زايدي، مديرة الفلاحة، التي أثنت على المشروع ودعت إلى ضرورة دعم مثل هذه المبادرات. كما أشار السيد نور الدين رميتة، مدير الصيد البحري، إلى أن "عملية دمج تربية المائيات مع الفلاحة، تُعد خطوة هامة نحو الاستدامة البيئية وتحقيق الأمن الغذائي المحلي".

المرأة التي آمنت بالمشروع

قبل أن نصل إلى المزرعة، كانت السيدة وسيلة خروفي، رئيسة مصلحة تربية المائيات، قد حدثتنا عن المشروع وصاحبه. كانت تتحدث بفخر عن المتابعة الدؤوبة التي أولتها لهذا المشروع منذ بدايته، مؤكدة لنا أنها تسعى بكل جهدها لإيصاله إلى السلطات المحلية، والترويج له كنموذج يُحتذى به. وأضافت: "هدفنا هو توسيع هذا النوع من المشاريع في كامل ولاية عنابة، لأننا نؤمن أن التربية المائية المدمجة مع الفلاحة، تمثل مستقبل الإنتاج الغذائي المستدام".

من نموذج محلي إلى رؤية وطنية

في حديثنا مع عبد الستار، لم يُخفِ طموحه في تطوير المشروع أكثر، حيث قال: "ما أنجزناه هنا، هو مجرد بداية. نطمح إلى إدخال نظام "الأكواكونيكس" الذي يُحسن بشكل كبير من التكامل بين تربية المائيات والزراعة، بطريقة فعالة ومستدامة، وبأقل تكلفة بيئية."

وفي ختام الزيارة، صرح مدير الصيد البحري، بأن فريقه سيعود بعد ستة أشهر، لمعاينة تطور المشروع وتقييم مدى فعالية الدمج بين الفلاحة وتربية الأسماك.

الزراعة المستدامة تبدأ من هنا

غادرنا المزرعة ونحن نحمل انطباعًا قويًا، بأن مشروع عبد الستار توارس، هو أكثر من مجرد مزرعة؛ إنه نموذج حي لطموح الشباب وقدرتهم على الابتكار، من أجل بناء مستقبل أفضل. مشروع يبرهن على أن الدمج الذكي بين الفلاحة وتربية المائيات، يمكن أن يكون مفتاحًا للأمن الغذائي، والاقتصاد الأخضر المحلي.

وعليه، فإن دعم مثل هذه المشاريع النموذجية، التي تدمج الفلاحة مع تربية المائيات، ضروري لتعزيز الإنتاج المحلي.

تسريع الإجراءات الإدارية سيساهم في ضمان استدامة هذه المبادرات، إلى جانب تشجيع الشباب على خوض تجارب مماثلة، يُعد ركيزة حقيقية لتحقيق الأمن الغذائي وتحفيز التنمية الاقتصادية المحلية.