استثمار غذائي جديد يروّج لثقافة صحية في المجتمع
"كول healthy" خدمة فتية تكسر هيمنة الوجبات السريعة
- 189
رشيدة بلال
أخذت بعض محلات الأكل السريع على عاتقها، مسؤولية المساهمة في تغيير النمط الغذائي، ورفعت شعار "كول صحي" من خلال تحضير وجبات اختلفت تسميتها بين "أكل منزلي" ، و "أكل صحي" ، و«وجبات متكاملة" ، و "كول healthy " . غير أن العامل المشترك بينها جميعا هو الصحة.
رغم أن التجربة لاتزال فتية في الجزائر إلا أنها لاقت ترحيبا كبيرا، وهو ما يعكسه الإقبال المتزايد على هذا النوع من الوجبات، خصوصا من فئات رفعت شعار "نأكل صحيًا" ؛ في مبادرة شجعها مختصون في التغذية، ودعوا إلى تعميمها. ومن بين العلامات التجارية الجديدة التي أُطلقت للترويج لنمط غذائي جديد، "كول صحي" ، و«صحي فود" . وهما نموذج لمطاعم تسعى إلى كسر هيمنة الوجبات السريعة غير الصحية على المائدة الجزائرية. فقد أصبح من النادر العثور على وجبة صحية أو متوازنة وسط الزخم الكبير من الوجبات الغنية بالدهون والزيوت المهدرجة.
وفي ولاية البليدة وقفت "المساء" على تجربة بعض هذه المحلات التي تقدم خدمة الأكل الصحي، التي رغم حداثتها لاقت طلبا واسعا؛ إذ يتم تقديم الطلبات في الساعات الأولى من الصباح، للحصول على الوجبة التي يُشرف على تحضيرها شاف مختص في الطبخ الصحي. وتُعد طازجة. وتُرسل مباشرة إلى أصحابها دون إعادة تسخين. وتتنوع الوجبات بين ثلاث علب رئيسية: الأولى تحتوي على اللحم، والثانية على السمك، والثالثة على اللحم المفروم. وترافقها شوربة وسلطة وخضر مقابل أسعار تنافسية تختلف حسب الكمية ونوعية الوجبة المطلوبة من 1000 الى 1500 دج. وبحسب ما يروَّج له عبر صفحات المحلات على مواقع التواصل الاجتماعي، فإن الإقبال الأكبر يأتي من العيادات الطبية التي تحجز وجبات صحية لمرضاها بناء على طلب ذويهم، ومن فئة المتبعين للحمية الغذائية، والمصابين ببعض الأمراض المزمنة، وحتى من الأشخاص الذين اختاروا نمط الحياة الصحية.
«كول صحي" .. الحل المثالي أمام ضيق الوقت
في استطلاع للرأي عبّر العديد من المواطنين عن إعجابهم بهذه التجربة. أوضحت إحدى الطالبات أنها تجد صعوبة في الالتزام بالحمية التي وصفها لها الطبيب؛ بسبب ضيق الوقت وانشغالها بالدراسة؛ قالت: "وجدت في مثل هذه الأنشطة متنفسا يساعدني على الحفاظ على حميتي الغذائية دون عناء التحضير اليومي". أما سيدة عاملة فأشارت إلى أنها تلجأ أحيانًا إلى هذه الوجبات لتأمين طعام صحي لأبنائها، خصوصا خلال أيام العمل الكثيفة، مضيفة: "تعجبني هذه الوجبات لأنها صحية ومتنوعة، لكن الاعتماد عليها كليا غير ممكن؛ لأنها مكلفة، خاصة للعائلات الكبيرة. ومع ذلك أحرص على اقتنائها مرتين في الأسبوع على الأقل؛ لكسر الروتين غير الصحي" .
ومن جانبه، أوضح أحد المواطنين أنه تعرّف على هذا النوع من الأنشطة عبر مواقع التواصل الاجتماعي. وأصبح يطلب وجبات صحية خلال ساعات العمل، خصوصا لأنه مصاب بالسكري، مضيفًا: "وجدت في هذه الوجبات راحة كبيرة. وأتمنى أن تنتشر مثل هذه المبادرات بدل محلات الأكل السريع، التي تُعد أحد أهم أسباب انتشار أمراض مثل السكري، والسمنة".
مختصون في التغذية يثمّنون المشروع
ثمّنت المختصة في التغذية نزيهة بن عربية في حديثها مع "المساء" ، انتشار هذا النوع من المحلات. وقالت إنها قدّمت حلًا عمليا لمشكل يعاني منه كثير من الناس ممن يسعون إلى حياة صحية؛ سواء لأسباب علاجية، أو وقائية. وأضافت: "كثير من المرضى الذين يقصدون عيادتي يجدون صعوبة في تطبيق النظام الغذائي الموصى به؛ لعدم قدرتهم على تحضير الوجبات الصحية؛ بسبب العمل أو الدراسة. وبعضهم اقترح أن أعدّ لهم هذه الوجبات بنفسي ".
وترى بن عربية أن التحدي الأكبر أمام متّبعي الحمية هو غياب البدائل الصحية الجاهزة، معتبرة أن ظهور محلات الأكل الصحي في الجزائر رغم قلّتها، يمثل استثمارا ناجحا في ظل ارتفاع الوعي الصحي بين المواطنين. وأضافت أن مثل هذه الأنشطة " يخدم بشكل خاص الفئات التي لا تتناول طعامها في المنزل" ؛ مثل العاملين والطلبة، وحتى بعض تلاميذ المدارس، مشيرة إلى أن بعض المحلات يشرف عليها مختصون حقيقيون؛ مثل صاحب محل "ماكلتي هالثي" بالعاصمة، الذي هو مدرب رياضي ملمّ بمبادئ التغذية السليمة. وأكدت بن عربية أن الأكل الصحي لا يقتصر على من يتبعون حمية أو يعانون أمراضا، بل يهم الجميع. ورغم تكلفته النسبية إلا أن تعميم مثل هذه الأنشطة يساعد في تغيير النمط الغذائي العام نحو الأفضل، وينعكس على السعر، ليكون في المتناوَل.
الأكل المنزلي يبقى الأساس
عما إذا كان الأكل الصحي الجاهز يشكل تهديدا للأكل المنزلي، أوضحت المختصة أن كلفته المالية المرتفعة تجعل من الصعب أن يحل محل الطعام المنزلي، مضيفة: "نحن كمختصين نشجع دائما على الأكل المنزلي، والحفاظ على اللّمة العائلية حول المائدة حتى ولو مرة واحدة يوميا. نشاط الأكل الصحي يمكن أن يكون مكمّلًا للأكل المنزلي، خاصة لمن تضطرهم ظروف العمل أو الدراسة أو حتى مشاغل الحياة اليومية، لتناول الطعام خارج البيت". وختمت بالقول إن الأكل الصحي ليس مستحيلًا، بل يمكن تحضيره في المنزل بإمكانات بسيطة، شرط الوعي بما يدخل إلى أجسامنا من مكونات.