سوء استعمالها يحصد المزيد من الضحايا

كواشف الغاز.. بين جهود الدولة والسلوك غير المسؤول

كواشف الغاز.. بين جهود الدولة والسلوك غير المسؤول
  • 131
رشيدة بلال رشيدة بلال

يبدو أن الحد من الحوادث الناجمة عن الاختناق بغاز أحادي أكسيد الكربون، لايزال بحاجة إلى بذل مزيد من الجهد. فعلى الرغم من توزيع الكواشف التي تمت المراهنة على قدرتها في التنبيه بوجود الغازات السامة، إلا أنّ تصرّفات بعض المواطنين غير المسؤولة أو الناتجة عن الجهل واللامبالاة، جعلتها دون فائدة تُذكر؛ بسبب التلاعب  بها. والدليل تسجيل عدد من الحوادث رغم وجود الكواشف؛ الأمر الذي يجعل الجزائر تسجّل سنويا ارتفاعا في حالات الاختناق بالقاتل الصامت خلال كل موسم شتاء.

لاتزال الحملة الخاصة بتركيب كواشف أحادي أكسيد الكربون داخل المنازل، متواصلة على المستوى الوطني. وهو البرنامج الذي انطلق في ديسمبر 2023؛ تجسيداً لتعليمات السلطات العليا، الرامية إلى تعزيز السلامة المنزلية، والحد من حوادث الاختناق. حيث تمكنت سونلغاز البليدة على سبيل المثال، إلى غاية نوفمبر 2025، من تركيب 428376 كاشف غاز عبر مختلف بلديات الولاية، استفاد منها 214188 زبون من بين 354790 زبون معنيين بالعملية، بنسبة تقدم بلغت 61%. وتسعى المؤسسة إلى استكمال تعميم هذه الأجهزة الحيوية التي أصبحت ضرورية لحماية الأسر من مخاطر الاختناق بغاز أحادي أكسيد الكربون.

ويُفترض أن الأعوان المكلّفين بالتركيب هم العاملون على مستوى المؤسسة، والذين يقومون باختيار الأماكن المناسبة داخل المنازل قبل تثبيت الجهاز. غير أنّ المفارقة التي دفعت مصالح الحماية المدنية لولاية البليدة إلى التنبيه بشأنها ورفع مستوى الوعي حولها، تتمثل في تسجيل حالات اختناق رغم وجود الكواشف. وقد بيّنت المعاينات أن أفراد العائلات يتدخلون بطريقة غير مسؤولة، ومن دون وعي أو حتى استفسار، لتغيير أماكن الكواشف التي تمّ تنصيبها رغم أنه يُفترض وضعها في أماكن مرتفعة. 

كما لوحظ أن بعض المواطنين يقومون بنزع البطاريات دون إعادتها، أو بإعادة تركيبها بطريقة خاطئة. وفي حالات أخرى تمّ اكتشاف بطاريات مغلّفة بالبلاستيك، ما يُفقد الجهاز قدرته على العمل، ليصبح الكاشف نتيجة التلاعب به، جهازاً غير مفعَّل، لا يقوم بالإنذار عند وجود غازات منبعثة. هذا الأمر دفع، حسب المكلفة بالإعلام على مستوى المديرية الفرعية للحماية المدنية لولاية البليدة مريم بوعوينة صايغي، إلى تكثيف التحسيس خلال الحملات الجوارية التي تشرف عليها المصالح المختصة منذ انطلاق حملة التوعية حول القاتل الصامت.

أما بخصوص الحالات المسجّلة عبر الولاية منذ بداية موسم البرد، فقد أوضحت المتحدثة أن ولاية البليدة التي تُعرف ببرودة طقسها شتاءً، سجّلت منذ بداية شهر أكتوبر الماضي، ثماني حالات اختناق، من بينها حالتان ناتجتان عن تسربات غاز أحادي أكسيد الكربون من سخان الماء، بينما تمّ تسجيل 23 وفاة على المستوى الوطني منذ بداية شهر أكتوبر. وأضافت أنّ أغلب الحالات تعود لغياب التهوية التي لاتزال تمثّل التحدي الأكبر في كل حوادث الاختناق، خاصة في المناطق البعيدة التي يعمد سكانها إلى إغلاق كل المنافذ؛ حفاظاً على الدفء داخل المنازل، فضلاً عن سوء استعمال سخان الماء، و"الطابونة".

وأشارت المتحدثة إلى أن مصالح الحماية المدنية تعمل منذ بداية حملة التحسيس بالقاتل الصامت، على رفع الوعي بأهمية تهوية المنازل، مؤكدة أنّ الفرق الميدانية لا تكتفي بالعمل التحسيسي في الفضاءات المفتوحة والمساحات التي تعرف توافد المواطنين، بل تطرق، أيضاً، أبواب المستفيدين من السكنات الجديدة؛ للتأكد من سلامة التوصيلات، ومدى تركيب الكواشف.

وفي السياق، أكدت المتحدثة أنّ التدخلات اليومية في حالات الاختناق تُظهر أنّ العمل التحسيسي يجب ألا يتوقف؛ لأن أسباب الاختناق بأحادي أكسيد الكربون لاتزال نفسها: غياب التهوية، ووضع السخان داخل الحمام، وإغلاق المنافذ، وعدم مراقبة شعلة المدفأة، والتوصيلات، والتلاعب بالكواشف… وهي أسباب بسيطة يمكن تجنّبها بقليل من الوعي للاستمتاع بشتاء دافئ، وآمن. وختمت المتحدثة بتأكيد أنّ وجود الكاشف لا يعني أن العائلة في مأمن تام؛ لأن الحماية الحقيقية من الغاز المنبعث تبدأ بالتهوية الجيدة للبيت.


ترسيخاً للثقافة البيئية وسط سكان البليدة

فضاءات مهملة تتحول إلى  حدائق عمومية

تكتسي المساحات الخضراء والحدائق العمومية أهمية بالغة في بلوغ جودة الحياة لدى الساكنة، لا سيما في ظل النمط العمراني الجديد الذي كرّس مفهوم العمارات السكنية، وهو ما دفع بالقائمين على تهيئة المساحات الخضراء على مستوى ولاية البليدة، إلى إعادة الاعتبار لكافة الفضاءات الموجودة على مستوى الولاية، والاستثمار في بعض المساحات التي كانت إلى وقت قريب، مفرغات عمومية، أو أماكن مهملة؛ بهدف بلوغ جودة الحياة، وتحسين الإطار المعيشي للمواطن.

تعززت ولاية البليدة مؤخرًا، بحديقة عمومية جديدة، أُعيدت تهيئتها بعدما كانت مفرغة عمومية، حيث تم تدشينها من طرف وزيرة البيئة وجودة الحياة، كوثر كريكو، التي أكدت بالمناسبة، أهمية الاستثمار في المساحات المهملة. وأثنت على الجهود المبذولة لتحويل هذا الفضاء من مفرغة عمومية إلى فضاء مهيأ، ومكيف لاستقبال العائلات، ومخصص للعب الأطفال. كما دعت الوزيرة إلى مواصلة العمل على خلق المساحات الخضراء في الوسط الحضري، مع إدراج الحيوانات والأنشطة البيئية؛ من أجل تعزيز الثقافة البيئية لدى الناشئة.

وفي السياق ذاته، أوضحت ابتسام شابيهة المكلفة بالدراسات بالمؤسسة العمومية “متيجة حدائق” لولاية البليدة، في معرض حديثها مع “المساء”، أن الساحة العمومية الواقعة بالقطب الحضري “عدل” ببلدية أولاد يعيش والتي تُعد ثاني أكبر بلديات الولاية من حيث الكثافة السكانية، تمثل استثمارًا حقيقيًا في المجال البيئي، حيث جرى تحويلها من مفرغة عمومية مهملة إلى فضاء عمومي ذي طابع بيئي بعدما كانت منطقة معزولة. وأضافت أن هذه العملية تندرج في إطار تجميل المحيط، وإدخال الثقافة البيئية، وتحسين النمط المعيشي للمواطن.

وأشارت المتحدثة إلى أن عملية تهيئة المفرغة العمومية تمت وفق رؤية، حرصت من خلالها مؤسسة “متيجة حدائق” ، على الجمع بين فضاءات الراحة، وإدراج النباتات المزهرة، وألعاب الأطفال، إلى جانب تجهيز الحديقة بالإنارة اللازمة، والكراسي، لتكون فضاءً مخصصًا لكل الشرائح الاجتماعية، مؤكدة أن الحفاظ على مثل هذه المرافق العمومية، يبقى مسؤولية مشتركة تقع على عاتق الساكنة.

ومن جهة أخرى، أفادت المتحدثة بأن مؤسسة “متيجة حدائق” شرعت، منذ سنة 2016، في إعادة تهيئة جميع الحدائق المتواجدة عبر إقليم ولاية البليدة، في إطار السعي لبلوغ جودة الحياة، والعمل على تخصيص فضاءات مناسبة تجمع مختلف شرائح المجتمع. كما أشارت إلى أن من المنتظر تهيئة فضاءات أخرى بعدد من البلديات؛ على غرار بلدية الأربعاء، فيما يُرتقب إعادة تهيئة حديقتين على مستوى بلدية البليدة، مؤكدة استعداد المؤسسة للاستفادة من مساحات أخرى، يتم تحويلها إلى أماكن مخصصة للعب الأطفال في إطار المساعي الرامية إلى بلوغ جودة الحياة، وترسيخ الثقافة البيئية لدى ساكنة المناطق الحضرية.