يحتكمون إلى شيخ الجامع أو مرشدات المساجد لحل مشاكلهم

كبار السن يفضلون الطلاق الصامت على أروقة المحاكم

كبار السن يفضلون الطلاق الصامت على أروقة المحاكم
  • القراءات: 1657
رشيدة بلال رشيدة بلال

يقف الزائر لأروقة المحاكم في الجزائر، قسم الأحوال الشخصية، على تنامي ظاهرة الطلاق لدى المتزوجين الجدد من جيل الشاب، بينما يجري تسجيل أعداد قليلة للطلاق لدى كبار السن، والتي وصفها بعض المحامين بحالات تكاد تكون معدومة، وعادة ما يتم، حسبهم، حل الخلافات التي تحدث بمجرد عرضها على شيخ الجامع أو مرشدة في المسجد، ولا تصل حتى إلى المحاكم، بسبب الخجل، واحتراما لهذا الرابط المقدس، حيث يفضل معظمهم أن يعيش ما يسمى بـ«الطلاق الصامت"، يجمعهما منزل واحد، لكن كل منهما يعيش حياته الخاصة بصورة منفردة. وحول أسباب تراجع قضايا الطلاق لدى كبار السن، تحدثت "المساء" إلى بعض المختصين الذين شخصوا الظاهرة وعرضوا بعض الحالات.

عرفت حالات الطلاق في الجزائر ارتفاعا محسوسا في السنوات الأخيرة، حسب ما تشير إليه الإحصائيات التي عرضتها وزارة التضامن الوطني لسنة 2017، وفاقت 65 ألف حالة، إلى جانب ارتفاع حالات الخلع، ففي سنة 2018، سجلت 13 ألف حالة خلع جزائرية لزوجها بمعدل 19 بالمائة من إجمالي حالات الطلاق في الجزائر، غير أنها، حسب مختصين في القانون، تحدثت إليهم "المساء"، تكاد تكون منعدمة لدى كبار السن، لعدة أسباب عرضها الأستاذ عبد العزيز الجزائري، محامي معتمد لدى المحكمة العليا، أكد في معرض حديثه "أنه من النادر تسجيل قضايا في قسم الأحوال الشخصية تخص كبار السن، وأن بعض الحالات الشاذة التي عرضت عليه، تم توجيهها إلى شيخ الجامع الذي يتكفل بحلها"، خاصة أن أسبابها تكون واهية، مرجعها نفور الزوجية من زوجها، أو بسبب عدم قدرتها على تحمل عصبيته أو نرفزته، خاصة بعد أن يكبر أبناؤهم ويتزوجون، حيث تقرر أن تضع حدا لعلاقتها معه".

على صعيد آخر، أوضح نفس المتحدث "أن الحالات التي يتم تسجيلها فيما يخص طلاق كبار السن، مرجعها التراكمات التي استمرت لعدة سنوات، وقابلتها الزوجة بالصبر من أجل أبنائها، وسرعان ما ينفذ صبرها بمجرد أن يتزوج أبناؤها، وعادة يقول: "مثل هذه المشاكل، من السهل حلها بعرض الحالة على الإمام الذي عادة ما يكون كلامه مقنعا لكلا الزوجين، فينهاهما ويحثهما على مواصلة المشوار والصبر على بعضهما البعض، حيث يزول الخلاف ولا تصل مثل هذه القضايا إلى المحاكم".

من جهتها المحامية الزهراء عباس، أكدت في معرض حديثها، بأن حالات الطلاق لدى كبار السن في الجزائر تكاد تكون معدومة، ويمكن القول بأنها لا تتجاوز 5 بالمائة، وعادة الحالات التي عرضت على مستوى المكتب تعود لسيدات صبرن على أزواجهن وتحملنهن، لكن بعد بلوغهن مرحلة معينة من العمر، يقررن الانفصال، والتخلي عن الزوج، وعددهن قليل، مضيفة: "عادة وبمجرد أن نباشر في إجراءات تسجيل دعوى الطلاق، تتراجع الزوجة أو حتى الزوج لعدة اعتبارات، منها احترام العشرة التي استمرت لعدة سنوات بينهما، خاصة إن كان أحد الزوجين مصابا ببعض الأمراض".

من جهة أخرى، أوضحت المحامية الزهراء، أن أغلب الأسباب التي تدفع ببعض كبار السن إلى فك الرابطة الزوجية، تتمثل في حجم التراكمات التي اجتمعت على مدار سنوات، ولم تعد المرأة في الغالب قادرة على الصبر عليها، بعد أن يكبر أبناؤهم، وبعيدا عن هذا الجيل القديم، أوعى وأحرص على العلاقة الزوجية، حيث يمنعانهما من الوصول إلى الطلاق، حتى وإن عاشا بمعزل عن بعضهما البعض.

العلاقات الجنسية السبب الأول لطلاق كبار السن

ترى المرشدة الأسرية دليلة حسين "أنه على الرغم من ارتفاع حالات الطلاق لدى فئة الشباب، يتم تسجل حالات قليلة جدا لدى كبار السن، موضحة بقولها: "من يقصدن المرشدات الأسريات من النسوة اللواتي تجاوزن عتبة الستين سنة، يكشفن عن بعض الأسباب التي تدفعهن إلى الرغبة في الانفصال عن الزوج، والتي تنحصر في العلاقات الحميمة التي تنفر منها المرأة، خاصة إن حدث واعتمرت أو أدت فريضة الحج، حيث تختار التعبد وقراءة القرآن وتنسى بأن لزوجها دائما عليها حقوق، فتشعر بالنفور منه، الأمر الذي يخلق نوعا من المشاكل تأبى النسوة الإفصاح عنها في هذا السن على مستوى المحاكم، فيطلبن المشورة من المرشدات على مستوى المساجد، حيث لا يتحرجن من عرض الحالة والبحث عن حلول". مشيرة إلى أن بعض الرجال من الذين يقدسون الحياة الزوجية، خاصة بعد التقدم في العمر، يلجأون إلى الإمام لطلب النصح ولا يفكرون في الذهاب إلى المحاكم، بسبب الخجل، خاصة إن كانت الأسباب واهية.

الطلاق الصامت يغيّب قضايا كبار السن عن المحاكم

أرجعت الاستشارية النفسية والأسرية الأستاذة نجاة بوجمعة، عدم  لجوء كبار السن إلى المحاكم لطلب الطلاق، إلى اختيارهم العيش معا في صمت، بحيث يجمعهم بيت واحد، لكن كل منهم يعيش حياته الخاصة، لعدة أسباب، أهمها الوصول إلى قناعة بأن لا جدوى من طلب الانفصال بعد أن أمضوا سنوات معا، من جهة، ولأن الأسباب التي عادة ما تكون مرتبطة بالعلاقات الحميمة، التي سرعان ما تدفع المرأة، بالنظر إلى جملة التغيرات التي تطرأ عليها بعد دخولها مرحلة اليأس، إلى النفور من زوجها، ويصل الحد بأخريات "إلى رفض حتى التواصل مع الزوج"، لذا تقول: "كبار السن يختارون عوض الانفصال والدخول في صراعات مع المحاكم، عيش حياة المطلقين دون الحاجة إلى ترسيم هذا الطلاق في المحاكم".

على صعيد آخر، أوضحت المختصة بأن كبار السن يعيشون أزمة نفسية، لأنهم لا يتحاورون وليسوا واعين ببعض القضايا المرتبطة بالحياة الحميمة بعد سن الخمسين، الأمر الذي يجعلهم يعيشون بعض الاضطرابات التي تعكر عليهم حياتهم، غير أنهم لا يجرؤون على عرضها أمام المحاكم ويقررون العيش في صمت، لاسيما إن كان لديهم أحفاد، فيشعرون بالخجل ويقررون الصبر على بعضهم البعض، والتخلي عن العديد من الحقوق، كما أنهم يصلون إلى مرحلة من النضج التي تجعلهم يميلون إلى الاستقرار والرضا بما هو متاح.