يعد معيارا لربة البيت الماهرة في فنون الطبخ
"فتل الكسكس".. عادة متوارثة لدى العائلات التبسية

- 734

لا تزال العديد من العائلات التبسية، على غرار عدة ولايات منطقة الأوراس، حريصة على التمسك بعادة "فتل الكسكس" وتحضيره في المنزل بالطرق التقليدية، وتجنب اقتناء الكسكس المصنع الذي يتم بيعه في المحلات والأسواق، على اعتبار أنه "أقل جودة" من الكسكس المفتول يدويا.
بغض النظر عن الجودة بإجراء المقارنات والعودة إلى رأي مختصي التغذية، فإن المرأة التبسية، تفتخر بحفاظها على عادة فتل الكسكس المتوارثة عبر الأجيال، والتي تجعل منه معيارا لربة البيت الحاذقة والماهرة في فنون الطبخ عموما، والفتل خصوصا. وتتم طريقة الفتل عن طريق التقاء النسوة وتجمعهن في فناء المنزل الكبير، للقيام بفتل الكسكس، وسط أجواء يسودها التعاون وتبادل أطراف الحديث والذكريات والغناء التقليدي والزغاريد.
مع بداية حلول فصل الربيع وارتفاع درجات الحرارة، تجتمع النساء في منزل كبير، به فناء واسع لتحضير الكسكس بكميات تكفي لاستهلاكه طيلة السنة، وفق ما يطلق عليه "العولة"، حيث يتم تخزين وحفظ هذه الكميات من الكسكس، بالحفاظ على معياري الجفاف والبرودة وتجنب الرطوبة والارتفاع الكبير لدرجة الحرارة، مخافة أن يصيبه السوس أو التلف.
واعتبرت فاطمة الزهراء من مدينة تبسة، وهي ربة بيت في العقد السابع من عمرها، أن كيسا كبيرا من الكسكس بحجم 25 كلغ، يعد ضروريا في كل بيت. كما تمكن هذه الكمية، حسبها، من الاكتفاء باستهلاك هذه المادة لسنة كاملة، مشيرة إلى أن معظم العائلات التبسية لا تزال تحتفظ بهذه العادة، على الرغم من العديد من الأنواع والماركات الموجودة على رفوف المحلات.
وقالت ذات المتحدثة، إن النسوة يجتمعن في يوم ربيعي مشمس حول "القصعة" المملوءة بالسميد، الذي يتم رشه تباعا بكميات صغيرة من الماء والملح، حتى تتشكل الحبيبات الناعمة التي يتم تصفيتها بالغرابيل، إلى غاية الحصول على الكسكس، منه الخشن أو "السفة"، والمتوسط والرقيق والذي يطلق عليه "المسفوف".
بعد تكرار عملية الفتل والغربلة لعدة مرات، وفرز حبات الكسكس، يتم طهيه بالبخار، وفق ما يسمى محليا بـ "التفوار"، وهي عملية تتم في قدر كبير من الماء المغلي والكسكاس، ليتم في الأخير، تفريشه ونشره على قطع كبيرة من القماش النظيف على الأرض، في مكان بارد تحت الظل، ليبرد ويجف تماما، ثم يتم تخزينه في أكياس من "الخيشة".
من جهتها، قالت السيدة نصيرة، إن "تويزة" فتل الكسكس، مناسبة ينتظرها أفراد العائلة للاجتماع والاستمتاع وشم رائحة تفوير الكسكس التي تنبعث في أرجاء كل بيت، مشيرة إلى أنه ومع ارتفاع درجات الحرارة، تجتمع النسوة كل يوم في بيت أحد أفراد العائلة للفتل. وتسود جلسات "التويزة" أجواء من المرح والمتعة والمؤانسة، حسب ما أشارت إليه ذات المتحدثة، حيث تقضي النساء طيلة اليوم في "فتل الكسكس"، دون شعور بالملل، وكلهن نشاط وحيوية، مستعدات لإعداد كمية كبيرة من الكسكس تكفي لكل العائلة.
وقالت الجدة مبروكة بأنه "لا مكان لكسكس المحلات" في بيتها، حيث أنها "لا تجد فيه الطعم الذي يروق لها"، مضيفة أن أفراد عائلاتها يفضلون وجبة السحور خلال شهر رمضان الفضيل، التي تتكون عادة من كسكس "مفور" وبارد ولبن أو "مسفوف" بالتمر والزبيب، يتم تقديمه مع الحليب البارد أو الرائب. في المقابل، قالت وهيبة، وهي امرأة عاملة وأم لطفلين، إنها تفضل شراء الكسكس الحاضر في المحلات، حيث تقتني الكمية التي تريد تحضيرها في كل مرة، دون الحاجة إلى شراء كمية كبيرة من الكسكس المفتول وتخزينها في أكياس من "الخيشة". أضافت أنه بالرغم من كون الكسكس المفتول اقتصاديا، حيث لا يتجاوز سعر الكيلوغرام الواحد منه 80 دينارا، مقابل 150 دينار لذلك المصنع، فإنها تفضل هذا الأخير، كونه يسمح لها باقتنائه عند الحاجة ويجنبها مشاق التخزين.
"فتل الكسكس" مصدر رزق لبعض الحرفيات
من جهتها، كشفت السيدة الزهرة، وهي في منتصف الخمسينيات من عمرها، أنها تتخذ من فتل الكسكس مصدر لإعالة أبنائها، مشيرة إلى أن النساء التبسيات، يفضلن شراء الكسكس المفتول تقليديا، على ذلك الذي يباع في المحلات التجارية.
أضافت أنها تقوم بفتل الكسكس ومشتقاته من "مسفوف وبركوكش أو بركوكس"، إلى جانب تحضير "شخشوخة الورقة" وشخشوخة الظفر والثريدة"، لكسب بعض الأموال وإعالة أسرتها، حيث لاقت إقبالا كبيرا من النساء، خاصة العاملات اللائي لا يملكن متسعا من الوقت لفتل الكسكس. وأكدت بأن الإقبال يزداد مع حلول فصل الصيف، خاصة بحلول موسم الأفراح والنجاحات في امتحانات آخر السنة، وقبل شهر رمضان الفضيل. وقالت بأنها ورثت هذه الحرفة من والدتها المرحومة، حيث كانت تساعدها منذ نعومة أظافرها على فتل الكسكس وإنتاج العجائن، معتقدة أن الكسكس المفتول بالأيدي لا ينافسه كسكس أي مصنع مهما تطورت الآلات وتعددت التجهيزا.
وأضافت أن العائلات التبسية لا تزال تحافظ على هذه العادة إلى غاية اليوم، حيث تتهافت ربات البيوت ممن لا يستطعن تحضيره، إلى اقتناء الكسكس الذي تحضره كل حسب حاجتها، فمنهن من تشتري 10 كلغ وأخريات يفضلن شراء 25 كلغ لضمان توفر الكسكس في المنزل طيلة السنة. وخلصت خالتي الزهرة، إلى أنه وعلى الرغم من مشقة وتعب فتل الكسكس، إلا أنها تسعى جاهدة لتحضيره بكل حب وتفان في العمل وتحرص على تجفيفه جيدا، مشيرة إلى أنها تختار أجود أنواع السميد للحصول على نوعية ممتازة من الكسكس.