حي السويقة بقسنطينة

عبق من الزمن الجميل بنكهة لا تقاوم

عبق من الزمن الجميل بنكهة لا تقاوم
  • 840
زبير. ز زبير. ز

يقال في قسنطينة؛ "إن الذي يزور المدينة ولم يزر حي السويقة، كأنه لم يزر عاصمة الشرق"، إذ يعد هذا الحي من أبرز المعالم التاريخية والسياحة بمدينة الشيخ العلامة عبد الحميد بن باديس، الذي قطن الحي ولا يزال منزله إلى غاية اليوم، بأحد أزقة هذا الحي المشهور، وبالتحديد في شارع "السيدة"، يقاوم الزوال، شأنه شأن العديد من البنايات، بسبب عامل الزمن والانهيارات التي أتت على العديد من المنازل بقلب المدينة القديمة. 

يتربع حي السويقة فوق الصخر العتيق، ويطل على وادي الرمال من الجهة الجنوبية، يمسك بمدخل جسر سيدي راشد الذي يربط شرق المدينة بغربها، ويعد أول شرايين المدينة القديمة، التي تمتد إلى غاية حي "طاطاش بلقاسم"، أو ما يعرف بحي الشارع، عبر أحياء طريق جديدة إلى الرصيف ورحبة السوق، ثم الجزارين، إلى سوق العصر أو عبر شارع فرنسا، إلى "رود شوفالي"، فالقصبة، وسوف العصر، أين ينتهي الشريان الطويل إلى حافة الصخر، على مشارف جسر سيدي مسيد إلى المستشفى الجامعي "الحكيم ابن باديس"، المكان الذي يمكن للزائر أن يحلق فيه فوق الطيور. يرى سكان قسنطينة أن حي السويقة بأزقته الضيقة وهندسته المتميزة، له سحر أخاذ، حيث لا تكاد تعبر أمامه إلا وتجد نفسك تنجذب نحوه، ربما هو الحنين، حسب تأكيد بعضهم، خاصة من السكان السابقين للمدينة القديمة، والذين تم ترحيلهم إلى سكنات اجتماعية بالمدينة الجديدة علي منجلي، بعدما عرف الحي العديد من الانهيارات بفعل الزمن أو بفعل فاعل، من الذين سولت لهم أنفسهم الاستفادة من سكن جديد.

يجد القسنطينيون متعة كبيرة في شق أزقة شوارع حي السويقة، صعودا أو نزولا، حيث يؤكدون أنهم يستمتعون بعبق المدينة القديمة في هذا الحي، وأن زائر السويقة خلال شهر رمضان يدخل في تجربة فريدة من نوعها، حيث تختلط عليه الأحاسيس، ويشعر كأنه في رحلة زمنية إلى الماضي، خاصة أن الأزقة والبنايات لا تزال تحافظ على طابعها منذ أكثر من 5 قرون، كما أن روائح المأكولات التقليدية، وحتى الحلويات التي تشتهر بها المدينة القديمة، تدغدغ أنف المتجول الذي يغوص في أعماق الماضي، قبل أن توقظه رائحة البن المنبعثة من حانوت صغير بأحد الساباطات (نفق صغير)، فيجد نفسه داخل أزقة صغيرة بين زنقة سيدي بوعنابة، وتختلط عليه بوصلة تحديد الأمكنة عندما يجد نفسه يتجول بين زنقة مقيس، الزلايقة، السيدة، زنقة العمامرة والبطحة.

تكثر بالسويقة حاليا محلات الجزارة، حيث يلجأ القسنطينيون إلى هذا الفضاء التجاري، من أجل اقتناء اللحوم الحمراء بأثمان مقبولة، وسط منافسة كبيرة، فمقارنة بأسواق أو محلات أخرى، يجد الزبون ضالته، فالذي يبحث عن لحم العجل يجده، ومن يبحث عن لحم المعز يجده، والذي يبحث عن لحم الخروف يجده، وكذلك من يبحث عن لحم النعجة، كل وثمنه، وحتى من يبحث عن الأحشاء يجدها، فالمتجول بين محلات الجزارة بحي السويقة، كأنه في مذبح كبير. يتميز الحي أيضا بتواجد محلات لبيع المكسرات، وأخرى لبيع "الزلابية وقلب اللوز والصامصة"، كما توجد محلات لبيع نوع قديم من "البيتزا"، أو ما يعرف بـ"البيتزا فوقاص" ذات سُمك كبير، كذلك توجد محلات لبيع الفحم، وأخرى لبيع الأواني الفخارية، وحتى الأعشاب والأدوية التقليدية.

تعاني سويقة قسنطينة، التي تعد بمثابة القصبة في الجزائر العاصمة، وتحمل نفس اسم أحد أقدم وأشهر الأحياء بالمدينة القديمة في تونس العاصمة، من الإهمال الذي طالها على مر سنوات، ولم تستفد بشكل لائق من برنامج التهيئة في إطار "قسنطينة عاصمة الثقافة العربية"، رغم أنها تضم معالم سياحية ودينية مهمة، في شكل جامع "السيدة حفصة"، فبنايته تشكل لوحة فسيفسائية، خاصة إذا شاهدتها من الجهة العلوية، يغلب عليها اللون الأحمر القرميدي، من لون القرميد الذي شيدت به أسقف أغلب بناياتها والذي يقبع فوق أعمدة من العرعار، وبقي مشروع ترميم الحي الذي انطلق سنة 2010، ثم توقف لأسباب مجهولة، رهين قرارات الجهات المسؤولة، وكان من الأجدر غلق الحي أمام موجات المتطفلين الراغبين في الحصول على سكنات جديدة، في إطار ترحيل سكان المدينة القديمة، وتحويل الحي إلى معلم سياحي دون سكان، مع الحفاظ على الطابع التجاري، وكان هذا مطلب العديد من الغيورين على معالم قسنطينة، في انتظار أن يجد آذانا صاغية.