رأس السنة الأمازيغية ببومرداس

طقوس وعادات متجذرة تأبى الزوال

طقوس وعادات متجذرة تأبى الزوال
  • القراءات: 889
و. أ و. أ

تتميز الطقوس والعادات المرتبطة بإحياء رأس السنة الأمازيغية، التي نحيي ذكراها الـ 2971، عبر ولاية بومرداس، بثرائها وتنوع مضامينها ومقاومتها للاندثار والزوال، بفعل عوامل الزمن والإنسان. ولهذا الثراء والتنوع من منطقة لأخرى عبر إقليم الولاية وغناه بالمعاني والقيم التي تمتن الأواصر الاجتماعية والأخوية والتضامنية، الفضل الأكبر في مقاومة البقاء واستمرارية هذا التراث المادي واللامادي إلى اليوم.

بفضل ذلك أيضا، بقي جزء هام من هذا الموروث الثقافي راسخ في الأذهان والسلوكات، من خلال الحرص على إحيائه وتناقله من جيل لآخر، رغم متطلبات العصر الحديث المتميز باكتساح شبكة التواصل الاجتماعي لكل المواريث والقيم والعادات والارتباطات الاجتماعية.

ترازوسبعة عشاوات

تتجلى أبرز المظاهر الاحتفالية بهذه المناسبة التاريخية، خاصة عبر الجهة الشرقية من الولاية، لاسيما ببلديات رأس جنات وبرج منايل وسيدي داود، حسبما ذكره عدد من السكان، على غرار الحاجة قماز فطيمة (80 سنة) من منطقةالسخاريببلدية رأس جنات، بإقامة إكرامية أو وعدةترازأوتريزة”.

حيث يقوم رب العائلة، عشية رأس السنة الأمازيغية، تضيف الحاجة قماز - التي لا تزال تتذكر تفاصيل مثل هذه العادات، من خلال حرصها على إقامتها وتوصيلها لأجيال من عائلتها وجيرانها - باقتناء من السوق المحلي، كل أنواع الفواكه الجافة والمكسرات كاللوز والجوز والبندق والبلوط، وتقوم ربات البيوت بمزجها وخلطهافي ليلة رأس السنة، تقول الحاجة قماز؛ يتم تنظيم تجمع في ساحات المنازل على الهواء، ويستدعى إليها إلى جانب كل أفراد العائلة، الجيران والأقرباء، وحتى سكان القرية المجاورون، وتوزع عليهم هذه الإكراميات في جو من المرح والأفراح. كما يحرص سكان الجهة الشرقية من الولاية في نفس هذا الإطار، خاصة العائلات ميسورة الحال ـ تبرز الحاجة قماز ـ على إحياء هذه المناسبة ونقلها من جيل لآخر، من خلال إعداد سهرة رأس هذه السنة، مأدبة عشاء مشهورة باسمسبعة عشاوات، حيث يتم فيها إعداد سبعة أطباق مختلفة عن بعضها في المائدة الواحدة، ويستدعى إليها الكبار والصغار والأقارب والجيران، وغيرهم من أفراد القرية.

تقوم ربات البيوت في الصباح المبكر من ذلك اليوم، وبعد التزين بالحناء واللباس والحلي التقليدي، بإعداد هذه الأطباق التي يأتي على رأسها طبق الكسكسي (سكسو) بالمسفوف أو الزبيب أو الشرشم (طحن مادة القمح)، مرفوقا بمرقة غنية بالخضروات ومزدان بالدجاج المطهي، إلى جانب توزيع دجاجة كاملة مطبوخة على كل فرد من أفراد العائلة ومن المدعوينالمغزى من طهي دجاجة لكل فرد من أفراد العائلة، توضح السيدة قماز، هو جلب الخير والبركة للعائلة على مدار السنة الجديدة، خاصة أن الفاتح من يناير مقرون بختام موسم الحرث والبذر وبداية الموسم الفلاحي الجديد، الذي يأملون أن يكون جيدا.

مأدبة بـالسردوكوتويزة

من العادات المشهورة بالمنطقة الشرقية من الولاية، خاصة عبر بلديات عمال وبني عمران وشعبة العامر وتيمزريت، حسب التوضيحات التي قدمها المتخصص في تراث المنطقة، ورئيسجمعية السواقيالمتخصصة في المجال، بلعباس رابح، حِرص ربات البيوت متوسطة الدخل في هذه المناسبة، على إعداد مأدبة عشاء تقليدية معروفة في المنطقة، يكون أساسها لحم الديك (السردوك).

تتمثل الأطباق الأخرى التي تتزين بها الموائد في هذه المناسبة،  يضيف السيد بلعباس، في كل منالبغريرو”المردود” (البركوكس) و”الشواط، معهمالمسمنوالعصيدةبالسمن والدهان، إضافة إلىالشرشم”. وفي ليلة رأس السنة، يقوم الأطفال برفع الشموع كفأل عن سنة فلاحية مضيئة، والقيام بحفلات من خلال الطبل ويمدحون ويغنون وكأنه عرس كبير. تتجلى هذه المظاهر كذلك، من خلال تحضير مجموعة أخرى من الأطباق التقليدية التي يكون أساسها الزيتون، سواء لزينة المائدة أو مدمجة في الطهي مع أكلات مختلفة، مع الحرص على الطهي بزيت الزيتون، إضافة إلى أطباق متنوعة من الحلويات المزينة بالعسلتتميز هذه المنطقة من الولاية، استنادا إلى السيد بلعباس رابح، بتنظيم فعاليةالتويزة، حيث يتم جمع عدد من رؤوس البقر يتبرع بها محسنون تنحر بحضور كل أهالي القرية، وتقطع إلى حصص وتوزع على الفقراء والمحتاجين من سكان القرية وخارجها.

لا تزال من جهة أخرى، ربات البيوت بمناطق مختلفة من ربوع الولاية، على الرغم من التحول الكبير الذي طرأ على المجتمع، تولي أهمية بالغة لتزيين الأيدي بالحناء في مثل هذه الأعياد والمناسبات، حيث يسبقها إقبال كثيف منهن على شراء هذه المادة التزينية التقليدية، مع حرص الكثير منهن على اختيار المنتج المحلي المعروف بجودته عن المستورد، لتزيين أنفسهن وبناتهن، خاصة المواليد الجدد، إضافة إلى ارتداء ما يعرف بـ”جبة القبائل”. لا تقتصر مظاهر هذا اليوم على تلك التقاليد فقط، بل تتعداه، استنادا إلى الباحث في علم الأثار بلعباس رابح، إلى أبعاد اجتماعية وتربوية أخرى، يسري مفعولها على مدار أيام السنة، وتتجلى أهمها في حرص أبناء هذه المناطق على المشاركة وإشراك كل أفراد العائلة، بما فيهم الشباب والنساء الطاعنات في السن، في حملة جني الزيتون، حيث يتركون أشغالهم جانبا، ومنهم من يأخذ عطلته السنوية من أجل التفرغ كليا لهذه المهمة العائلية النبيلة.