"طاجين الطين" لشيّ لحم الأضحية بقالمة

- 5428

لا تزال العديد من العائلات في ولاية قالمة متمسكة بطريقتها التقليدية في شيّ قطع الكبد والرئة، صبيحة أول أيام عيد الأضحى، باستعمال "طاجين الطين" الذي ينافس آلات الشواء الحديثة المصنعة التي تعرض بكثرة للبيع قبيل حلول هذه المناسبة الدينية.
يعرف "طاجين الطين" المستعمل لأغراض الشواء محليا باسم "الطاجين المسرح" الذي تكون مساحته الداخلية ملساء، وهو نفسه المستعمل في إعداد الكسرة اليومية والغرائف ويبقى ينافس أرمادة من الأدوات المتنوعة التي يشوى بها اللحم.
وبالموازاة مع عملية نحر أضحية العيد وسلخها التي يشرع فيها الرجال مباشرة بعد أداء صلاة العيد وعودتهم من المساجد، تكون النساء قد انتهين من تحضير الكسرة على "طاجين الطين" الذي يبقى موضوعا على الموقد ليحافظ على حرارته، في انتظار وصول أول دفعة من قطع الشواء التي تكون عادة الكبد والرئة والطحال وحتى أجزاء من الأمعاء الدقيقة.
وما أن يتم الرجال عملية النحر وتعليق الأضحية حتى يجدوا أمامهم المائدة التي سبقتها رائحتها الزكية المنبعثة كسحابة دخان من أبواب المطبخ، وعليها أطباق بسيطة من السلطة و"الهرسية" التقليدية الممزوجة بزيت الزيتون و"الكسرة" وطبعا "القطع الكبيرة من المشاوي" التي لا يمكن مقاومة لذتها.
وبالنسبة للسيدة بريزة، في العقد السادس من عمرها، فإن استعمالها لـ"طاجين الطين" في شيّ لحم الأضحية عادة ألفتها منذ صغرها وتوارثتها عن أمها في السنوات التي لم تكن تعرف خلالها لا غاز البوتان ولا غاز المدينة وكانت الوسيلة الوحيدة هي الحطب، مبرزة بأن الشيّ على الآلات الحديدية وحتى الكهربائية المعروضة في الأسواق لا يعني لها شيئا.
في نفس السياق، تقول فطيمة ذات الـ31 سنة بأنها في بداية الأمر لم تكن تعرف سر إلحاح أبيها في كل صبيحة عيد الأضحى على استعمال "الطاجين"، وكانت تعتقد أنها مجرد عادة فقط، لكنها تضيف، بأنها سرعان ما أدركت السر حينما تذوقت عند خالتها شواء معدا على المقلاة ومليئا بالدهون.
وأضافت بأن الشواء المعد على طاجين الطين يصنع أجواء احتفالية وسط كل أفراد العائلة، ليس فقط من حيث قطعه الكبيرة مقارنة ببقية القطع التي تعد في "سفافيد"، وتكون صغيرة الحجم لكنه فعلا يكون له مذاق مميز للغاية من دون استعمال أية عقاقير، إذ لا يغلب فيه طعم الشحوم ولا تجد فيه بقايا الفحم ولا تجد عليه أي جزء محترق.
بدوره، اعتبر إبراهيم (25 سنة) أن الشواء المعد على الطاجين يكون مراعيا بدرجة كبيرة لمختلف شروط الصحة والنظافة مقارنة باستعمال بقية الأجهزة، مبرزا في هذا السياق طهارة الطين في حد ذاتها التي تزال منها كل بقايا الأطعمة بسهولة بمجرد وضعها على النار، بخلاف الوسائل الحديدية أو المصنوعة من الألمنيوم.
أما الهاني الذي أدرك العقد السابع من عمره، فلا يتصور أبدا تناول لحم مشوي بطريقة بديلة عن "الطاجين"، رغم المتغيرات الاجتماعية الكثيرة التي أفرزتها الحياة المعاصرة، مشيرا إلى أنه في الأيام العادية يتناوله مهما كانت طريقة ووسيلة تحضيره، لكن بالنسبة له يوم العيد فهو شيء ينقله للماضي المجيد لأسلافه، بما في ذلك وسائلهم المستعملة في الطبخ وعلى رأسها "الطاجين" المعروف بمنطقة قالمة منذ مئات السنين.