لقبوه ببلال مسجد ساحة الشهداء في ونوغة بالمسيلة

سي عمر سعدي صوت لازم المسجد أكثر من أربعة عقود

سي عمر سعدي صوت لازم المسجد أكثر من أربعة عقود
  • 1672
 جمال ميزي جمال ميزي

لا يذكر أحد اسم مسجد ساحة الشهداء بحي أهل الوادي بونوغة، حتى يرتبط بوجدانه وخياله أصوات مقرئيه، أئمته، ومؤذنيه، هذه الأصوات التي ترتفع إلى عنان السماء مطلقة صوت الحق والفضيلة ونداء الإسلام، ولعل الشيخ عمر سعدي أو سي عمر، كما يلقب واحد منهم، وهو الذي بقي صوته يشنّف الأذان حتى بعد رحيله عن دنيانا، فالناس هنا لا ينسون الصوت الذي صدح بالحق قرابة أربعة عقود.

بدأت رحلة الشيخ عمر سعدي مع الأذان منذ كان شابا يافعا، فبلغ صوته وحنجرته أصقاع الأرض، وباتت الجبال والأودية تردد صداه. وحسب ابنه إسماعيل، فالمرحوم رفع الأذان بصوته على مدى أربعة عقود أو يزيد وهو الذي لم يرض لحنجرته الذهبية أن تتزين إلا بوحي كلمات السماء، رحلة الوالد مع الأذان وكلماته الطاهرة، يقول محدثنا، بدأت بعد عودته من ديار الغربة بعد بزوغ شمس الحرية على الجزائر، حيث دفعته الحاجة والاستفزازات التي كان عرضة لها من قبل العسكر الفرنسي أن يهاجر إلى فرنسا في بداية عام 1957م، ليعمل كأقرانه المغتربين من أجل توفير لقمة العيش وينضم سنة 1958 إلى الثورة التحريرية ويكلّف بمهمة نقل المناشير وإلصاق الإعلانات وحتى التهديدات على أبواب المسؤولين الفرنسيين.

وقد حرص على النهل من منابع العلم وحفظ كتاب الله في زاوية بن بوداود بمدينة أقبو، وهي الزاوية التي تخرج منها الكثيرون الذين انتشروا بدورهم في ربوع الوطن، فحفظ الفتى القرآن الكريم كاملا رفقة أقرانه، يتوجي أحمد وبن صالح لخضر وغيرهما، ولما اشتد ساعده لم يهنأ له بال وهو يرى أمّه تشقى لتؤمن عيش أخويه وأخته، لأن الوالد كان مريضا وطريح الفراش، فألحّ على أبيه ليرتحل إلى قرية بن علي الشريف سنة 1936 ويقيم هناك مع أسرته ويشتغل في الفلاحة عند أحد الأثرياء. ولكن دوام الحال من المحال ـ كما يقال ـ حيث وفي أواخر عام 1949 بعد سنوات عجاف مرّت بها الكثير من الأسر الجزائرية جراء الجوع وانتشار الأمراض، فقد عمر أمّه بعد صيامها لخمسة أيام من رمضان ليفقد بعدها بـ25 يوما زوجته التي كانت له سندا، وبالضبط وفي اليوم الأول من عيد الفطر، ويستمر سيف الموت ـ يضيف ابنه ـ ليحصد أهله، فمات أخوه محمد بعدهما بشهر، ثم أبوه بعد ستّة أشهر. فكانت الواقعة بمثابة الصاعقة التي نزلت عليه، لكن صبر الشيخ عمر وإيمانه بالقضاء والقدر جعله يتخطى محنته بثبات، فكان يقول فيهم قول العقل والقلب معا؛ قول العقل لأن ما آلوا إليه هو مآل كل إنسان في هذا الوجود، فليس المرء في هذه الأرض إلا ضيفا ينتظر الرحيل، وقول القلب لأن الإنسان إذا فجع في قريبه انفطر قلبه وسالت نفسه لوعة وأسى، فهاجر قصد تأمين قوته وقوت أهله قبل أن يعود مع مطلع الاستقلال إلى أرض الوطن لأنه يدرك أن رسالته لم تنته بعد، فاختار مسجد قرية أهل الوادي مكانا له فكان صوته الذي يكسر سكون القرية التي لم يكن بها بوادر التحضر بسبب افتقداها للكثير من المرافق الخدماتية كالكهرباء، حيث كان الشيخ عمر يعمل جاهدا لإسماع صوته لأبعد نقطة ممكنة وكان له ذلك بعد أن عرفت القرية نوعا من التوسع، فاهتدى بفطرته لاستعمال مصباح فوق المئذنة  يستعمله عادة في شهر رمضان، يشعله كلما حل آذان المغرب ويؤدن الشيخ عمر الذي لقب ببلال المسجد. كما كان يقوم بأعمال خيرية في قريته كإصلاح ذات البين، شأنه شأن كل إمام محب لأهله وذويه... إلى أن وافته المنية صبيحة يوم عيد الأضحى المبارك من سنة 1997م دون سابق إنذار، إذ لم يكن يشكو من داء معين.