المؤرخ محمد غرتيل يستحضر بطولات "قاهر الإسبان"

سيدي امحمد بن عودة... الزاهد والمجاهد ومروض الأسود

سيدي امحمد بن عودة... الزاهد والمجاهد ومروض الأسود
  • القراءات: 2859
أحلام محي الدين أحلام محي الدين

اختار المؤرخ محمد غرتيل أن يتطرق هذه المرة لبطولات العالم الجليل، الشيخ امحمد بن عودة، الذي حارب على ثغور وهران، من أشهر وأجل صلحاء ورجال العلم في الجزائر خلال العهد العثماني، عالم زاهد ومجاهد ومدرس، صاحب زاوية تقع حاليا ببلدية سيدي امحمد بن عودة في ولاية غليزان، من مواليد 972 هجرية، المصادف لـ 1564م، وكانت له نوبة للحراسة وثغر  للرباط على ساحل البحر بوهران، لحراسة المدينة من الإسبان الصليبين، وهب حياته للعلم والجهاد.

الولي صالح، أمحمد بن عودة، تعدت شهرته حدود منطقة غليزان، التي تحتضن ضريحه، يرجع نسبه إلى الولي الصالح سيدي علي بن يحي والد العديد من علماء و صلحاء المنطقة، أمه لالة بدرة، وسمي بن عودة نسبة إلى مربيته لالة عودة، المجاجية، بنت سيدي امحمد بن علي المجاجي، الذي درس الشيخ بزاويته (زاوية مجاجة) المعروفة في الجزائر، وأخذ عن علماء آخرين، من بينهم الشيخ السحراوي دفين قرطوفة بتيارت، والشيخ ابن الدين البكري بولاية البيض، كما درس على يد الشيخ بن عيسى دفين، بلدية الرحوية في تيارت، والشيخ عبد الرحيم، دفين مدينة البرج بمعسكر، عرف أيضا الشيخ باسم عواد وعدة.

عن حياته، يروي المؤرخ غرتيل قائلا: "لقد قضى الشيخ أمحمد بن عودة هذا العالم الزاهد كل حياته في طلب العلم وفي نشره والتصوف بزاويته الشهيرة، وقد سخر ماله وحياته كلها في سبيل العلم والجهاد، فوضع خيمتان قرب زاويته (الخيمة الأولى لتعليم الطلبة، والخيمة الثانية لاستقبال عابري السبيل والفقراء والمساكين لإطعامهم)، كانت له خلوة بأرض زاويته تحت الأرض معروفة إلى اليوم بـ«العبادة".

كان سيدي امحمد بن عودة من المجاهدين المرابطين للدفاع عن ثغور الوطن ضد الغزاة الإسبان، وله بمدينة وهران مقام يعرف باسمه، وهو موجود بجبهة البحر، وقد بني تخليدا لتضحياته في الدفاع عن ثغور الوطن، وقد قهر الإسبان في أرض المعارك وأدخل الرعب في نفوسهم.

ويواصل المؤرخ قائلا: "الباي محمد الكبير قائد تحرير وهران، كان بايا على بايلك الغرب، هو الذي شيد له ضريحا ببلدية سيدي امحمد بن عودة، إكراما و إجلالا له على ما قدمه من جهاد وعلم، فلم ينس الباي محمد الكبير جهاده ومشاركته رفقة قبيلته فليتة، وطلبته في مقاومة غزو الإسبان".

الزاهد العابد حامي الحمى

كانت زاوية الشيخ امحمد بن عودة في العهد العثماني محترمة من طرف البايات، حيث كانت تتمتع باستقلالية تامة، وكان كل من يلجأ إليها يعفى عنه ولا يحاسب من طرف البايات، لأن الباي محمد الكبير، أوصى باحترام الشيخ. توفي سيدي امحمد بن عودة سنة 1034 هجرية الموافق لـ1625 م، بعد حياة مليئة بالجهاد والبطولات، خلدت اسمه في الذاكرة الجماعية في الغرب الجزائري.

سيدي امحمد بن عودة هو ابن يحي (الصغير) ابن عبد العزيز ابن علي ابن يحي، أما إخوته، فهم سيدي علي المكنى براشد وسيدي عباس وسيدي محمد الفضي.

فيما يخص مزاياه وخصاله، قال المؤرخ غرتيل: "وقد كتب عنه شيخ المؤرخين، أبو القاسم سعد الله فقال: (يعتبر حامي حمى سهل مينا، والذي يعتقد فيه أهل البادية والحاضرة) ويصنفه كرمز من رموز الطريقة القادرية، يطلق عليه أهل الغرب لقب (طواع السبوعة)، لأنه كان يسير رفقة الأسود ويعرف، كذلك عند أهل غليزان "بعوينتي بن عودة".

يشرح المؤرخ غرتيل، تفاصيل هامة عن حياته في الزهد قائلا: "ومن شدة ورعه وزهده، لم يتزوج في حياته الشيخ امحمد بن عودة، وهناك مقولة تنسب إليه (خدامي هم أبنائي)، مازال الناس يتطرقون لسيرته بالحقيقة أو المبالغة، فقد نسجت له الكثير من القصص، خاصة التي ربطت مع الأسد المرافق له (سبع بن عودة) هذا على المستوى الوطني، أما في منطقته يقام له كل عام وعدة تسمى (الطعم)، تخليدا لذكراه، تتخللها عروض الفنتازية وحلقات المديح والشعر ومبارزات بالعصى التقليدية، لاستحضار الماضي المجيد لقاهر الإسبان، توفي رحمه الرحيم، إثر مرض عضال سنة 1034 هجرية".