" ثافسوث" تكشف عن عادات وتقاليد منطقة "منعة"

ديكور بألوان الربيع يغوص في عمق الأوراس

ديكور بألوان الربيع يغوص في عمق الأوراس
  • القراءات: 800
ع. بزاعي ع. بزاعي

احتفلت بلدية منعة بولاية باتنة بعيد "الربيع الأوراسي"، أو كما يطلَق عليه "ثافسوث"، وهو من العادات والتقاليد المميزة التي تشعّ بهجة بقدوم فصل الربيع خلال أشهر مارس وأفريل وماي. وقد تميزت المناسبة بأجواء بهيجة شهدتها، نهايةَ الأسبوع الماضي، بلديةُ منعة الواقعة على بعد 85 كلم عن مدينة باتنة؛ من خلال إقامة مهرجان ثقافي، عُرضت فيه نشاطات متنوعة، تبرز عادات وتقاليد سكان الأوراس. 

شمل نشاط اليوم الأول من التظاهرة، تنظيم معرض تقاليد ثافسوث الخاص بالنساء، وعروض مسرحية وفكاهية لأطفال ابتدائية أحمد عبوش، إلى جانب إقامة منافسة "ثاكورص" للأطفال، وتقديم محاضرات حول اللباس التقليدي "إيملحفث"، فضلا عن حلقات شعرية، ومباراة في كرة القدم بين فريقي قدماء منعة وقدامى مولودية باتنة.

ونُظمت زيارات، في اليوم الثاني، للمعارض التقليدية بالزاوية القادرية بن عباس، وأخرى إلى الموقع السياحي تاقلعيت، فيما أقيمت استعراضات الفرق الفلكلورية المشاركة؛ الرحابة والبارود، والخيالة، ولعبة تاكورث وهازدمت.

وما يُعرف عن هذه التظاهرة السنوية التي دأبت على تنظيمها جمعية "ثافسوث" ببلدية منعة منذ سنة 2011، أن العائلات تقوم بتحضير مستلزمات المناسبة، المتمثلة في إعداد العصيّ المصنوعة من شجرة البلوط، والتي تُستخدم في التحكم في الكرة المصنوعة من ظفائر الحلفاء، وكل ذلك من أجل المشاركة في المهرجان الرياضي الذي يتم بالحقول والتجمعات السكنية، والذي يعرف مشاركة كبيرة من النساء. ويطلَق على هذه اللعبة اسم "ثاكورث"، وتردَّد عند لعبها عبارات خاصة بها. إلى جانب هذا، يلجأ بعض النسوة إلى الغابة لاقتناء فسائل العرعار ليتم طحنها. وهي العملية التي تتم في جو يسوده الغناء والزغاريد، وكلها تدخل في إطار إحياء التراث الأوراسي.

وتُوج النشاط بتنظيم رحلة ميدانية إلى المعالم السياحية والتاريخية التي تزخر بها منعة،  مرفقة بأطباق فنية تقليدية من عمق تراث الأوراس؛ على غرار زاوية الشيخ بن عباس في الدشرة القديمة، وهي الزاوية المنتمية للطريقة القادرية التي تأسست منذ أزيد من ثمانية قرون، حسب المشرفين عليها من عائلات تنحدر من سلالة الشيخ بن عباس، الذي استقر بمنعة.

وحسب شيوخ المنطقة، فإن الزاوية لاتزال منارة لتحفيظ القرآن، إضافة إلى زاوية سيدي موسى التي شيدت أول مسجد بالقرية يعود تاريخه إلى أزيد من 7 قرون. كما بُرمجت زيارة لـ "وتاسريفت"، وهي طبيعة عذراء ساحرة بجمالها الأخاذ؛ فهي تتشكل من جبال صخرية متقاطعة، لونها يميل للأرجواني، وتعبُر هذه الأخاديدَ مياه واد منعه، التي تنبع من تحت الأرض، وتمر، أيضا، بشلال طبيعي وسط الوادي، وعلى الأطراف سواقي تمتد إلى البساتين المترامية على ضفاف الوادي، والتي تثمر كل الخيرات، علما أن المنطقة توجد بها مقصورة أولاد بن عباس (دار الشيخ) التي يتواجد بها 10 أضرحة لأئمة من سلالة أولاد عباس هم من الأولياء الصالحين، إضافة إلى ضريحين بالمقصورة لأبناء أحمد باي قائد المقاومة الشعبية في الشرق الجزائري ضد الاستعمار الفرنسي.

وبحسب مرجع تاريخي موثق معلق في لوحة بالمقصورة، فإن ابنَي أحمد باي؛ محمد وشريف توفيا في 5 سنوات و13 سنة، على التوالي، بسبب المرض. وكان والدهما أحمد باي لجأ إلى منطقة منعة بالأوراس، للاحتماء والتحصن رفقة 500 فارس بعد سقوط قسنطينة، ومكث مع عائلته بالمنطقة سنة 1860م.

وأوضح الناشط الثقافي حميد سعودي، أن التظاهرة باعتبارها عيدا للفرحة والبهجة، تهدف إلى رد الاعتبار لجزء كبير من التراث الأمازيغي غير المادي، وإبراز غنى وثراء هذا التراث، والعمل على إعطاء هذا الحدث بعدا وطنيا، موضحا أن الاحتفالية تجرى في أجواء من الفرحة والسرور والمرح؛ بإجراء مباريات في لعبة ثاكورث، وإعداد أكلة الرفيس التقليدية.

ويسعى سكان المنطقة إلى تعزيز مكانة مثل هذه الاحتفالات، وطلب تسجيلها في قائمة التراث غير المادي في "اليونسكو". وتُبرز الاحتفالية عددا من الأطعمة والحلويات التقليدية. وللإشارة، فقد ساد الاعتقاد بمنطقة الأوراس، بأن إحياء عيد "ثافسوث" يزيدهم قوة ومناعة لمجابهة ظروف الحياة الصعبة.