لاحتواء صدمة حوادث المرور
دور الأخصائي النفساني لا يقل أهمية عن الطبيب

- 168

دفعت كثرة الحوادث التي شهدتها هذه الصائفة، سواء المتعلقة بحوادث المرور أو حالات الغرق، أو حتى بعض الحوادث المنزلية، مثل الحرائق، المختصين النفسانيين، إلى لفت الانتباه إلى أهمية حضور المختص النفسي منذ اللحظة الأولى من وقوع الحادث، تماماً كما هو الحال بالنسبة للطبيب، بهدف التكفل بالجانب النفسي، سواء للمصاب، أو لمن تدخل من أجل إسعافه، أو حتى من عايشوا الحادثة. ويعود ذلك إلى خطورة الآثار المترتبة على الصدمات النفسية، التي قد يتعرض لها البعض، والتي إذا لم تُعالج في أوانها، قد تكون عواقبها وخيمة.
خلفت حادثة انحراف حافلة وسقوطها في مجرى وادي الحراش، والتي ذهب ضحيتها 18 قتيلاً، حالة حزن عميقة في نفوس كل من عايش الحدث، سواء من قريب أو بعيد، وأعادت إلى الأذهان صور عدد من الحوادث الأخرى، التي سبق وأن وقعت، مثل حادثة سقوط المشجعين بملعب 5 جويلية، وحوادث الغرق التي راح ضحيتها عدد من المصطافين، وغيرها كثير من الحوادث التي خلفت صدمات نفسية، لم يتم التكفل بها في وقتها.
ورغم أن الجزائر، كغيرها من الدول، لديها بروتوكول للمرافقة النفسية للأشخاص الذين يتعرضون لمختلف الحوادث، وهو ما حرصت عليه مصالح وزارة الصحة والتضامن، عقب حادثة وادي الحراش، من خلال توفير المرافقة الطبية والنفسية، إلا أن الإشكال الذي تؤكد عليه المختصة النفسانية للصحة العمومية، جميلة بغانم، في حديثها لـ«المساء"، هو أن دور الأخصائي النفسي لا ينبغي أن يكون في المرتبة الثانية، بعد التدخل الطبي في عين المكان، وإنما يجب أن يكون حاضرا منذ لحظة وقوع الحادث، وأن يرافق الفريق المتنقل إلى عين المكان، للشروع فوراً في أداء مهامه.
وتوضح الأخصائية النفسية، بأن وجود الأخصائي النفسي متوفر على مستوى المصالح الاستشفائية، ومصالح الصحة الجوارية، غير أن عمله يظل مقصوراً على المؤسسات الصحية، وينتظر عرض الحالات عليه، ولا يتنقل مع فرق الحماية المدنية عند تدخلها في موقع الحادث، وهو ما يجعل تدخله متأخراً، رغم أهميته البالغة في التخفيف من حدة الصدمة النفسية، سواء على الضحايا أو على أعوان الإنقاذ، أو حتى على الشهود أو من يتدخلون لتقديم الإسعافات، مثل ما حدث في واقعة الحراش. مذكرة بحالة المرأة التي أصيبت بهستيريا الصراخ، لحظة وقوع حادثة الحافلة وتوفيت بعدها، مؤكدة أن مثل هذه الوضعيات لا يمكن احتواؤها، إلا من طرف مختص نفسي قادر بخبرته على التدخل والتقليل من حدتها.
من جهتها، أوضحت المختصة النفسانية للصحة العمومية، أن المفروض عند تنقل الفرق المتنقلة للتدخل، يجب أن يكون الأخصائي النفسي حاضراً على مدار اليوم، بما في ذلك العطل الأسبوعية. غير أن الواقع ـ تضيف ـ أن دور الأخصائي النفسي يتأخر، وفي بعض الحالات التي تقع فيها الحوادث في أيام العطل، لا يكون هناك أي تدخل نفسي، وهو ما وقع في حادثة سقوط المناصرين بملعب 5 جويلية، التي حدثت يوم عطلة، فلم يتم التكفل بالمصابين نفسياً، رغم أن حدة الصدمة كانت كبيرة، بالنظر إلى مغادرة المصابين، بعد تقديم التكفل الطبي بهم.
وتحذر بغانم من أن خطورة الصدمات النفسية، التي لا تُعالج، لا تظهر فوراً، بل قد تظهر لاحقاً في شكل أعراض خلال الأيام أو الأشهر الأولى، وقد تنعكس على سلوكيات الفرد ومزاجه وحياته اليومية، إذ قد يرفض العمل أو يختار الانعزال، وقد تصل الحالة إلى الانفصام في الشخصية. وفي مثل هذه الحالات، يدخل الضحية في متاهة البحث عن علاج نفسي أو روحي، بينما كان يفترض أن يتم التكفل به منذ لحظة وقوع الحادثة. وبالنظر إلى الارتفاع الكبير في مختلف أنواع الحوادث، خاصة حوادث المرور، شددت المختصة على ضرورة أن يكون الأخصائي النفسي ضمن الفريق الذي يتنقل إلى عين المكان، لأن نشاطه لا يقتصر فقط على الضحايا، بل يشمل حتى المنقذين والشهود.
وفي السياق ذاته، أكد الخبير في السلامة المرورية، محمد كواش، في رده على سؤال "المساء"، حول تجربة الجزائر في مجال المرافقة النفسية عند وقوع مختلف الحوادث، أن الجزائر لا تملك تجربة متكاملة، بل مجرد مبادرات في بعض الكوارث الكبرى، مثل الزلازل، على غرار زلزال بومرداس وفيضانات باب الوادي، حيث تم التكفل النفسي بالضحايا من طرف مصالح مديرية التضامن على مستوى المصالح الاستشفائية. وأضاف أن التكفل النفسي بعيد عن الأجهزة الأمنية، التي تتوفر على المرافقة النفسية لأطقمها، تظل غائبة في حوادث المرور بالنسبة لعامة الناس، رغم أهميتها، وهو ما يفرض ـ حسبه ـ إعادة النظر في منظومة التكفل النفسي، بالنظر إلى الأثر السلبي الكبير الذي تخلفه هذه الحوادث على الضحايا والشهود، وحتى على أعوان وفرق الإنقاذ.