في يوم دراسي حول زرع الأعضاء بقسنطينة
دعوة إلى توعية المجتمع بممارسة من شأنها إنقاذ الكثيرين

- 612

شدد المشاركون في اليوم الدراسي الموسوم بـ "الإطار القانوني والطبي والشرعي لنزع وحفظ وزرع الأعضاء البشرية"الذي نُظم نهاية الأسبوع الماضي بقسنطينة، على ضرورة إبراز أهمية توعية المجتمع حول زرع الأعضاء، لترسيخها، كممارسة من شأنها إنقاذ حياة الكثير من المرضى، فضلا عن العمل على تسريع تطبيق العملية على أرض الواقع، لما لها من أهمية في توفير مبالغ هامة للخزينة العمومية بالنظر إلى التكلفة المرتفعة للعديد من الأمراض التي يمكن التقليل منها عن طريق عمليات زرع الأعضاء.
أكد المشاركون من أطباء وأساتذة قانون وشريعة في اليوم الدراسي الذي احتضنه نهاية الأسبوع الفارط، مجلس قضاء قسنطينة، أن النزع المتعدد للأعضاء يُنبئ بمرحلة جديدة في مجال التبرع بالأعضاء انطلاقا من أشخاص متوفين، خاصة أن الجزائر، اليوم، بحاجة إلى تطوير هذا المسعى، كون عدد كبير من المرضى المحتاجين للتبرع، ينتظرون الحصول على أعضاء تمنحهم حياة جديدة، حيث أجمع المشاركون على أن زراعة الأعضاء تشهد تطورا تشريعيا وقانونيا متقدما مقارنة بما كانت عليه الحال حين كان الأمر يطرح إشكالات مرتبطة بالجانب الديني وحتى القانوني، متحدثين عن قانون 2018، الذي أعاد النظر في المنظومة القانونية بربط التبرع بالأعضاء بقبول المعني قبل وفاته أو أحد أفراد عائلته بعد وفاته، وهو الإطار المتوفر حاليا لزرع الأعضاء بالجزائر من دون أن يعتبر القانون أن الأمر غير مسموح به.
ومن جهتهم، أكد المتدخلون من المختصين في الفقه والشريعة الإسلامية، على ضرورة مساهمة رجال الدين في نشر التوعية، والتحسيس بأهمية تعميم فكرة التبرع بالأعضاء، من خلال تمكين الأئمة من التكوين في المجال، ما يؤهلهم للحصول على المعارف الأساسية التي يمكن أن يوظفها الإمام في خطابه الدعوي التوعوي، مطالبين بتنسيق الجهود بين المساجد المتواجدة بمحيط المؤسسات الاستشفائية، ورؤساء مصالح الاستعجالات، لضمان حضور الإمام في الوقت اللازم للحديث مع عائلة الشخص المتوفى، وإقناعهم رفقة الطاقم الطبي، بالتبرع بأعضائه من أجل إنقاذ حياة أشخاص آخرين.
وأضاف المشاركون في اليوم الدراسي، أن عملية زرع الأعضاء في الجزائر تعد قليلة جدا محتشمة، بسبب رفض عائلات الأشخاص المتوفين الموافقة على عمليات التبرع ببعض أعضاء ذويهم، لعدة اعتبارات، مرتبطة، أساسا، بنقص التوعية، والاعتقادات الخاطئة من الناحية الدينية، إذ تقتصر، حاليا، جل العمليات المتعلقة بزرع الكلى، على متبرعين أحياء، عادة ما يكونون من عائلات المرضى، فيما تكاد تنعدم العمليات التي يكون المتبرع بها من المتوفين، وهو ما أكده الأطباء في اليوم الدراسي، الذين اعتبروا أن الجزائر قادرة على زراعة الكلى بالنسبة للأشخاص الذين يعانون من قصور كلوي، بعد نجاح أطباء جزائريين خلال السنوات الماضية، في إنجاز أول عملية جراحية لنقل الأعضاء في مستشفى ابن باديس في قسنطينة، من متبرع توفي دماغيا في الخمسينيات من عمره، حيث اعتبروا العملية إنجازا عظيما تم في فترة قياسية، عبر إجراء ثلاث عمليات زرع ناجحة لثلاثة مرضى، كانوا في قائمة الانتظار.
وقد أجرى عمليات نزع الأعضاء التي استمرت 18 ساعة، طاقم طبي جزائري متعدد الاختصاصات، ضم اختصاصيين في الجراحة، وطب الأعصاب، والطب الشرعي، والتصوير الطبي. وقد استغرب الأطباء الخوف المجتمعي من ملف زراعة الأعضاء، بداعي أن هذا الأمر حرام وغير جائز دينيا، حيث دعوا إلى العمل على برامج التوعية بالبعد الإنساني لعملية التبرع، خصوصا زرع الكلى، خاصة أن الأرقام الأخيرة تسجل إصابة أزيد من 25 ألف مريض بالقصور الكلوي، قرابة 16 ألف منهم ينتظرون دورهم ليستفيدوا من عمليات الزرع.
ومن جهتهم، المتدخلون من أساتذة القانون، في حديثهم عن الجانب القانوني المنظم لعملية نزع وزرع الأعضاء والأنسجة والخلايا البشرية، وفقا لما ورد في قانون الصحة ممن أجمعوا على أن التشريع الجزائري لا يمكن بأي حال من الأحوال، نزع الأعضاء من دون موافقة عائلة المتوفى حتى وإن كان مسجلا في السجل الوطني للتبرع بالأعضاء، حيث قالوا إنه يتعين على أي مواطن يرغب في التبرع بأعضائه بعد وفاته، ترك وصية لأهله، لأن العملية لن تتم إلا بموافقتهم في ظل عدم وجود قانون يرخص إجراء عملية نزع الأعضاء بمجرد موافقة صاحبها قبل وفاته، موضحين من جهة أخرى، أن العديد من المواد في قانون الصحة، أشارت إلى حكم جواز عمليات التبرع مع التطرق لكل الشروط والضمانات الطبية والقانونية، حيث أكدوا أن المشرع الجزائري انفرد بالتأكيد على موافقة المتبرع على عملية نقل أعضائه حيا أو ميتا، وهي الموافقة التي يجب أن تكون بدون أي ضغوط وبدون أي مقابل، للحفاظ على الكرامة الإنسانية، وهو ما تطرقت له الدكتورة محروق كريمة، أستاذة بجامعة الإخوة منتوري، التي كشفت أن قانون الصحة الذي صدر في 2018، حاول سد الثغرات من خلال 28 مادة قانونية لتحديد شروط النزع والتبرع، وحماية حقوق المتبرع والمستفيد.
للإشارة، فقد عرف اليوم الدراسي الذي جاء بمبادرة من مجلس قضاء قسنطينة والتعاون مع جامعات قسنطينة وجامعة الأمير عبد القادر للعلوم الأسلامية إلى جانب العديد من المحاضرات والمداخلات، عرض تجارب ميدانية لعمليات النقل والزرع على مستوى قسنطينة، على غرار آخر عملية أجريت في مارس من السنة الجارية، والتي قام بها الفريق الطبي المتخصص في جراحة الكلى بعيادة أمراض الكلى والمسالك البولية، حيث تمكنت الطواقم الطبية من رفع التحدي، وإجراء عمليات زرع ناجحة تضاف إلى العمليات التي تمت منذ 2020 بعد توقف دام أزيد من 6 سنوات، بعد إجراء عمليات زرع ناجحة لـ 13 حالة.