أمام ضعف الإنتاج المحلي وغزو المستورد

خياطة ”الصباط”حرفة تبحث عن دعم

خياطة ”الصباط”حرفة تبحث عن دعم
  • 921
رشيدة بلال رشيدة بلال

لازالت القصبة العريقة تختزن بين أزقتها العديد من الحرف التقليدية التي أبى محترفوها إلا أن يظلوا أوفياء لها، فحبّ الحرفة من جهة والرغبة في حفظ التراث ناهيك عن اعتبارها موردهم الوحيد للاسترزاق، كلها دوافع جعلتهم يرفضون التخلي عنها ويصرون على التمسك بها. ولعل من بين هذه الحرف التي لازالت تقاوم عوامل التقدم والعصرنة حرفة ”خياطة الصباط” التي حدّثنا عنها في هذه الأسطر الحرفي فاتح بن يعقوب من سكان هذه المدينة العريقة، الذي أبى إلا أن يكون وفيا لحرفة أجداده رغم ما يعانيه من صعوبات.

التقت ”المساء” الحرفي، مؤخرا، على هامش مشاركته في معرض للصناعات التقليدية نُظّم بالعاصمة في إطار إحياء اليوم الوطني للقصبة، حيث كان واحدا من العارضين الذين أبدعوا في الكشف عما يخفيه الحي العتيق من حرف، كانت ولازالت تعكس الموروث التقليدي لهذه المدينة العريقة.

ويقول في بداية حديثه إنه تَعلّم خفايا الحرفة من الحرفيين القدماء الذين تناقلوها أبا عن جد، حيث كانت حرفة خياطة ”الصباط” كغيرها من الحرف التي كانت منتشرة قديما وبكثرة في القصبة، على غرار حرفة النحاس، الجلود وصناعة الحلي، وكان الطلب على تعلّم هذه المهنة كبيرا بالنظر إلى الحاجة إليها من طرف منتجي الصباط المحليين، الذين يقصدون الخياط ليتكفل بمهمة حياكته، ومن ثمة يجري تسويقه.

وحول كيفية خياطة الصباط أشار محدثنا إلى أن حرفة الخياطة تأتي بعد مرحلة تفصيل الصباط، وهي المهمة التي يقوم بها عامل آخر؛ حيث يكلَّف بتفصيل كل ما يحويه من أجزاء حسب نوعه إن كان حذاء شتويا أو صيفيا موجّها للرجال أو النساء، ومن ثمة تقدَّم الطلبية المحضرة للحرفي الخياط الذي يجمع الأجزاء مفصّلة ويعطي الصباط الشكل الذي ينبغي أن يكون عليه. وكمرحلة أخيرة يجري قولبته من طرف المنتج لإعطائه الشكل النهائي الموجّه للتسويق.

وحسب محدثنا فإن حرفة خياطة ”الصباط” عرفت مع مرور الزمن، العديد من التغيرات؛ حيث كانت في بداياتها الأولى يدوية، يعتمد فيها الحرفي على الخيط والإبرة، وكان يستغرق وقتا طويلا لتجهيزها، وكانت وقتها الحرفة محصورة فقط في أحذية الرجال، ومع التقدم الحاصل وظهور الماكنة تحوّلت خياطته من يدوية إلى آلية، وهذا التحول، حسبه، لعب دورا كبيرا في تقليل العبء عن الحرفي خاصة إن كان عدد الأحذية المطلوب خياطتها كبيرا.

ويتعامل الحرفي الأخصائي في خياطة ”الصباط” مع منتجي الأحذية المحليّين، ورغم أن الأحذية الجاهزة أغرقت السوق الوطنية وأضرّت بالإنتاج المحلي الأمر الذي دفع بالعديد من المنتجين إلى التخلي عن إنتاج الأحذية ناهيك عن غلاء المادة الأولية، غير أن البعض منهم لازالوا يؤمنون بإمكانية إعادة إحياء الإنتاج الوطني، وهي الفئة القليلة التي ”مازلنا نتعامل معها، ويعود لها الفضل في كون هذه الحرفة لازالت موجودة”، معربا، في السياق، عن أسفه لتراجع عدد الحرفيين الذين يمارسون هذه الحرفة، والذين يتمركزون اليوم  في الأحياء الشعبية؛ مثل أحياء القصبة وباب الوادي، واختاروا أن يظلوا أوفياء لها، خاصة أنها موردهم الوحيد لكسب القوت”.

خياطة ”الصباط”، حسب الحرفي فاتح، من الحرف المتعبة؛ لأنها تعتمد على الجهد العضلي وتحتاج إلى الكثير من الصبر خاصة إن كانت القطعة المراد خياطتها تحوي على العديد من التفاصيل والقطع المطلوب تجميعها، ”ولو لم أكن أحبها، خاصة وأنّي تعلّمتها على أيدي قدماء الحرفيين من أبناء القصبة، لما كنت وفيا لها، لا سيما أنها تكاد تكون مهنة موسمية اليوم”. ومع تراجع الإنتاج المحلي للأحذية قال: ”أصبحنا كحرفيين لا نحصل على طلبيات كثيرة، الأمر الذي فرض علينا العمل بضعة أسابيع والتوقّف لعدة أشهر أخرى عن العمل. وأمام هذا أصبحنا نقبل خياطة أي شيء كالحقائب أو الحقائب النسائية، مقابل الحصول على بعض المال لسد الاحتياجات اليومية”. ارتباط مهنة خياطة الصباط بمنتجي الأحذية وانفتاح الجزائر على الأسواق الخارجية والجري وراء الأحذية المستوردة، جعل الشباب يعزفون عن تعلمها، لا سيما أن العائد منها قليل مقارنة بالجهد المبذول. وأشار محدّث ”المساء” إلى أن إنعاش حرفة خياطة الصباط مرهون بالرغبة في رد الاعتبار والثقة في الإنتاج المحلي ودعمه.

معاناة حرفيّ خياطة ”الصباط” كغيره من الحرفيين؛ فضعف الدعم ولا مبالاة المسؤولين وقلة المعارض دفع، على حد قول الحرفي فاتح، بالكثير منهم إلى التخلي عن الحرفة؛ شأنها شأن باقي الحرف الأخرى التي يعاني ممتهنوها من التهميش والعزلة. وبالمناسبة يقول: ”نطالب الجهات المعنية ممثلة في غرفة الصناعات التقليدية بالاهتمام أكثر بالحرفيين ودعمهم؛ لأنهم حماة التراث”.