كاميرات المراقبة توثق حالات السرقة

حين تتحول الفضيحة إلى لعنة رقمية لكسب ملايين المشاهدات

حين تتحول الفضيحة إلى لعنة رقمية لكسب ملايين المشاهدات
  • 153
نور الهدى بوطيبة نور الهدى بوطيبة

في مشهد يتكرر بوتيرة متسارعة، تخرج إلى العلن مقاطع مصورة، تظهر فيها نساء، وأحيانا رجال، يسرقون سلعا من المحلات التجارية، تلتقطها كاميرات المراقبة بدقة، وهم ينفذون أفعالهم في غفلة من الباعة، ثم تنشر تلك المقاطع على مواقع التواصل الاجتماعي، لتثير موجة من السخرية، تارة، وصادمة تارة أخرى، التعليقات اللاذعة، وأحيانًا الشماتة، لم تعد هذه الحوادث مفاجئة في حد ذاتها، بقدر ما أصبحت من الأفعال المألوفة، إذ تحولت سريعا إلى نوع من المحتوى الترفيهي على المنصات الرقمية.

باتت ظاهرة سرقة السلع من المحلات التجارية، خلال السنوات الأخيرة، منتشرة بشكل مقلق، خاصة مع انتشار كاميرات المراقبة التي توثق تلك الأفعال، ومع تطور وسائل التواصل الاجتماعي، لم تعد هذه السرقات مجرد حوادث عابرة، بل تحولت إلى فضائح تنشر وتتداول على نطاق واسع، غالبا عبر منصات رقمية مختلفة، هذه الظاهرة لم تعد قضية أمنية فقط، بل تحولت إلى مشكلة تهدد السلامة الاجتماعية، وتثير جدلا قانونيا وأخلاقيا حول حقوق أصحاب المحلات والمتضررين.

فعل السرقة، سواء من النساء أو الرجال، لا يعتبر مجرد مخالفة قانونية، بل مؤشر على توتر اجتماعي واقتصادي أعمق، وفق عديد الدراسات، حيث تعكس تلك الأفعال أحيانا واقعا قاسيا يعيشه بعض الأفراد، قد يكون مرتبطا بالفقر أو الحاجة الملحة، أو ربما نتيجة اضطرابات نفسية، لكن الخطر الأكبر ينبع من طريقة التعامل مع هذه الظاهرة على الساحة الرقمية، حيث يتم تصوير السارقين وهم يرتكبون جريمتهم، ثم نشر تلك المقاطع بشكل واسع دون مراعاة للخصوصية أو الأبعاد الإنسانية.

حول هذا الموضوع حدثت "المساء"، مع المختصة الاجتماعية جميلة امقراني، التي قالت: "إن السرقة، كظاهرة اجتماعية، ليست بالجديدة، لكن الجديد هو هذا الشكل من التوثيق الرقمي الذي لم يترك للفعل أي خصوصية، ولا للمذنب أي مهرب من المحكمة الجماهيرية قبل المحكمة المدنية، التي تصدر أحكامها من خلف الشاشات، بلا تردد"، مشيرة إلى أن "المشهد أصبح مشوها، لا بسبب السرقة فحسب، بل لأننا بتنا نستهلك الألم الإنساني كما نستهلك الفكاهة أو الأخبار الساخنة، من يسرق اليوم، خاصة إذا كانت امرأة، لا ينظر إليه كظاهرة اجتماعية، بل كموضوع للسخرية، وصورة قابلة للمشاركة والإعجاب وحصد الملايين من المتابعين بها".

وأوضحت المتحدثة، أن هذه المقاطع أصبحت تتكرر وتنتشر، لعدة أسباب، يتداخل فيها النفسي بالتقني، حيث تحرك تلك الفيديوهات مشاعر قوية من الفضول، الغضب، أو حتى التشفي، المشاهد يرى نفسه "أفضل" من الجاني، ويشعر بتفوق أخلاقي لحظي، ثم تأتي خوارزميات المنصات لتدفع بهذا المحتوى أكثر، لأنه ببساطة يُثير التفاعل، وأن مقطعا لامرأة تخفي عطرا في ملابسها، أو أخرى تستعين بطفلها لحمل كريمات عناية باهظة الثمن، أو أخرى تستغل ثقة صاحب المحل فيها لسرقة قطع من الملابس، أو غيرها من الحوادث التي سجلتها كاميرات المراقبة، توثق برودة أعصاب هؤلاء، خاصة داخل محلات بيع مستحضرات التجميل، بالرغم من بديهية استعمال أصحابها كاميرات المراقبة، وأنه سيتم الكشف عنها، كلها من الفيديوهات التي قد تحقق آلاف المشاهدات والتعليقات في وقت قياسي، ما قد يغري أصحاب المحلات والصفحات بنشر المزيد منها، وهكذا، تدخل الكاميرا طرفا ثالثا في العلاقة بين الفعل والمجتمع، لا كمجرد وسيلة أمنية، بل كأداة للعرض والتشهير.

حذار من التشهير ...

من جهتها، قالت رشيدة مزيان، محامية ومختصة في القانون الجزائي، إنه بالرغم من كون صاحب المحل ضحية الفعل، وتجريم السارق أو السارقة، إلا أن الفرد عليه أن يدرك تفاصيل القانون، حتى لا يتورط في قضية لا تختلف عن قضية السرقة، وهي التشهير، فنشر فيديو يظهر شخصا متلبسا بالسرقة، حتى ولو كان ذلك صحيحا، دون إذن قضائي، يعد تشهيرا ويمكن ملاحقة من نشره، فهناك فرق بين توثيق الحادثة لأغراض أمنية، وبين استغلالها لخلق فضيحة رقمية. وأضافت أن القضية لابد أن تنطلق من خلال التبليغ عن الجاني، ويمكن دائما الكشف عن السرقة، من خلال مقطع فيديو، مثلا، بحثّ السارق على إعادة البضاعة، حتى لا تصل القضية إلى الجهات الأمنية، أي بتهديد، مثلا، لو لم تعد البضاعة، أرفع دعوة قضائية، لكن على أن يكون ذلك دون إظهار وجه السارق، ولابد، بدل ذلك، من تقديم الفيديو للجهات الأمنية، حتى تقوم بعملها وتأخذ العدالة مجراها. 

إن خطورة هذه الظاهرة لا تكمن فقط في فعل السرقة، بل في ما بعدها، تضيف المتحدثة، أي في تحول الخطأ البشري إلى مادة قابلة للتداول اللامحدود، في غياب أي سياق إنساني، أو خلفية اجتماعية، فكل ما نراه هو "اللقطة"، وكل ما نريده هو أن ندلي بأحكام في المجتمع، تتقاذف فيه النكات الثقيلة، فلا أحد يبرر السرقة، لكنها، مرض اجتماعي، مثلها مثل الرغبة في تغذية روح محبي الفضيحة، التي هي الأخرى، انعكاس لهشاشة مجتمع اختار أن يدين الجميع ، وأن يستهلك بدل أن يصلح"، ففي زمن الكاميرات والمشاركة الفورية، يبدو أن الخطر لم يعد فقط في الجريمة، بل في الطريقة التي نشهر بها المجرم، ونحوله إلى مادة للمحتوى، بلا مسؤولية.