خبراء الصحة ينبهون لخذرالتداوي الذاتي:
حذار من الاستهلاك العشوائي للمضادات الحيوية
- 390
نور الهدى بوطيبة
حذّرت الطبيبة العامة نادية مزنان، طبيبة منسقة بمصلحة الطب الجواري ببرج الكيفان، من الارتفاع المقلق وسط المجتمع في استعمال المضادات الحيوية بشكل عشوائي، دون استشارة طبية أو تشخيص دقيق، مؤكدة أن هذا السلوك أصبح أحد أكبر الأخطار التي تهدد فعالية الأدوية في المستقبل.
أوضحت الدكتورة في تصرح لـ"المساء" على هامش الأسبوع العالمي لمخاطر المضادات الحيوية، أن المواطن الجزائري مثل كثير من المواطنين حول العالم، أصبح يَعُد المضاد الحيوي وسيلة علاج سريعة لكل مرض حتى في الحالات البسيطة؛ مثل الزكام، أو نزلات البرد التي ترتفع خلال هذا الموسم، متجاهلا أن معظم هذه الأمراض ناتجة عن فيروسات لا علاقة للمضاد الحيوي بعلاجها، وبالتالي قد لا تعطي أي فعالية في علاجها.
وقالت المختصة إن المضاد الحيوي ليس علاجا سحريا، وهو ما يحاول خبراء الصحة في كل مناسبة، شرحة، والتأكيد عليه، والتشديد أنه دواء محدد، له وظيفة دقيقة. ولا بد أن يكون باستشارة طبية، ووصفة علاجية، مشددة على أنها علاجات لمحاربة الالتهابات البكتيرية فقط؛ أي الأمراض التي تسببها البكتيريا كالتهاب الرئة، أو بعض أنواع التهاب اللوزتين، والمسالك البولية، أو التهابات الجلد، وغيرها من الأمراض التي تسببها البكتيريا، وليس الفيروسات على حد قولها؛ لأن الالتهابات الفيروسية مثل الأنفلونزا والزكام ونزلات البرد والتهابات الحلق الخفيفة، هي أمراض سببها فيروسي، ولا يتأثر الفيروس بالمضادات الحيوية أبدا.
وشددت الطبيبة على أنه بالرغم من ذلك لايزال يصر كثير من المرضى على طلبها أو شرائها دون وصفة؛ ظنا منهم أنها تسرّع الشفاء، لكن قوّتها ليست في علاج كل الأمراض بسرعة وإنما علاج الأمراض التي سببها فيروسي في فترة قصيرة.
وتضيف محدثة "المساء" أن هذه السلوكيات الخاطئة في استعمال الأدوية بطريقة عشوائية، تؤدي إلى نتائج خطيرة على المدى البعيد؛ لأن البكتيريا ـ والتي هي عبارة عن كائنات دقيقة ذكية ـ قادرة على التكيف مع الدواء عندما تتعرض له كثيرا دون سبب. ومع مرور الوقت تصبح هذه البكتيريا مقاومة للمضادات الحيوية؛ أي أن أي دواء لا يقاومها، ولا يقتلها، ولا يوقف نموها، وبالتالي نجد أنفسنا أمام أمراض كانت بسيطة في الماضي، لكن، اليوم، أصبحت صعبة العلاج، وتتطلب أدوية أقوى وأغلى، وقد تسبب مضاعفات خطيرة، أو حتى الوفاة في بعض الحالات.
وتشير الطبيبة إلى أن المشكلة لا تكمن فقط في من يتناول المضادات دون وصفة، بل، أيضا، في سوء الالتزام بالعلاج؛ مثل التوقف عن الدواء قبل انتهاء المدة التي حددها الطبيب، أو استعمال بقايا علاج قديم، أو مشاركة الدواء مع أحد أفراد العائلة أو الأصدقاء. وهو أمر شائع، مشددة أن كل هذه التصرفات الخاطئة تساهم في زيادة مقاومة البكتيريا، وتقلل من فعالية المضادات الحيوية.
وفي حديثها عن الأسبوع العالمي للتوعية بخطر مقاومة المضادات الحيوية، أكدت الطبيبة أن هذه المناسبة تهدف إلى تنبيه المواطنين والعاملين في القطاع الصحي، إلى خطورة الوضع؛ فمقاومة المضادات أصبحت تهدد النجاحات التي حققها الطب الحديث خلال العقود الماضية. وقالت إن منظمة الصحة العالمية تَعُد هذه الظاهرة من أخطر التحديات الصحية في القرن الحادي والعشرين؛ لأنها قد تجعلنا نعود إلى زمن كانت فيه الجروح البسيطة والالتهابات العادية مميتة؛ لعدم فعالية الأدوية. وشددت الدكتورة نادية مزنان على أهمية نشر الثقافة الصحية والوقائية بين المواطنين، مشيرة إلى أن الوقاية هي السلاح الأقوى لتقليل الحاجة إلى المضادات الحيوية.
وتشمل الوقاية الالتزام بالنظافة اليومية، وغسل اليدين بانتظام، وتجنب العدوى، وأخذ اللقاحات في مواعيدها، والحفاظ على مناعة الجسم بالتغذية السليمة، والنوم الكافي، خصوصا خلال هذا الموسم الذي تزداد فيه الإصابات بنزلات البرد والأنفلونزا، وما يصاحبها من أعراض. كما دعت الأطباء والصيادلة إلى تعزيز التواصل مع المرضى، وتوضيح متى يكون المضاد ضروريا، ومتى لا حاجة له.
وترى الطبيبة أن الوعي يبدأ من المنزل، والمدرسة؛ فتعليم الأطفال منذ الصغر أن الدواء لا يؤخذ إلا عند الحاجة وبأمر من الطبيب، هو أساس بناء جيل يعرف كيف يحافظ على صحته؛ لأن المضاد الحيوي ليس مسكن الألم، ولا علاجا سحريا لكل الأمراض، بل دواء قوي، لا يجب الاستخفاف به أبدا.