رئة العاصمة وقلبها النابض

حديقة التجارب الحامة قِبلة العائلات من ربوع الوطن

حديقة التجارب الحامة قِبلة العائلات من ربوع الوطن
  • 4671
نور الهدى بوطيبة نور الهدى بوطيبة

تستقطب حديقة التجارب الحامة بقلب العاصمة، أو كما يسميها خبراء البيئة "رئة العاصمة"، مئات الزوار يوميا منذ افتتاحها على الساعة التاسعة صباحا إلى الخامسة مساء؛ حيث يشهد هذا الفضاء الطبيعي توافدا ليس من العاصمة فقط، بل من مختلف ربوع الوطن، إلى جانب السياح الأجانب، الذين يقصدون هذه الحديقة التاريخية التي تُعد أحد أجمل معالم الجزائر، وقطبا سياحيا بامتياز، في حين صُنفت لجمالها، كإحدى أروع محميات اليونسكو، لتأخذ تسميتها من كونها أحد مخابر تجارب النباتات، بعضها لا يتواجد إلا في أحضان حديقة الحامة.

ليس من الصعب أبدا الترويج لحديقة الحامة بالجزائر العاصمة، أو المبالغة في وصف جمالها، بل تكفي الصور التي ينشرها زوارها خلال تجوالهم عبر ممراتها ويتفاخرون بمشاركتها عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وحدها، لإعطاء تلك الصورة الفريدة لمكان لا مثيل له في منطقة أخرى من الوطن.

وتستقطب، يوميا، الحديقة، حسب القائمين عليها ممن حدثتهم "المساء"، أكثر من ألف زائر يوميا؛ حيث تتوافد عليها العائلات ومجموعات الأصدقاء ضمن فرق منذ أولى ساعات النهار، لتبلغ الذروة مع الساعة الواحدة بعد الزوال.

ويُعد هذا الفضاء الطبيعي ملاذا للعائلات الهاربة من حرارة الجو، حسب ما أجمع عليه أغلب من حدثتهم "المساء" هناك، مشيرين إلى رطوبة الجو، ولطافته، وتخفيف الأشجار والنباتات من حرارة الجو؛ ما يجعلها أقل، أحيانا، بست درجات مما تكون عليه خارجا، وذلك طبيعيا.

وخلال جولة "المساء" داخل الحديقة، لاحظت العدد الهائل للعائلات أمام شبابيك الدفع للظفر بتذكرة الدخول إلى الحديقة. فبعض العائلات كان عددها يفوق عشرة أفراد، استعان البعض منهم بحافلات نقل، في حين استفاد آخرون من توفر شبكتي المترو من جهة، والمركب الهوائي التيليفيريك من جهة أخرى، والذي يحط مباشرة أمام مدخل الحديقة، ويسهّل لكل راغب زيارتها.

ولقد اعتبر عدد ممن حدثناهم هناك، أن ما يميز الموقع هو توقيت فتحه وإغلاقه، وكذا سعر التذكرة الرمزي، وعدم وجود شروط للدخول؛ كالسن، أو الرفقة، أو العدد؛ الأمر الذي ساهم في الترويج بشكل كبير للحديقة، خصوصا بالنسبة للذين يصعب عليهم التنقل إلى أماكن بعيدة لتمضية اليوم رفقة العائلة والأصدقاء بدون تفريغ الجيب.

وعند التوغل أكثر في أدغال هذا الفضاء الطبيعي الضخم، يشعر المتجول للوهلة الأولى، بأنه الوحيد بداخلها، فيما تنتشر العائلات هنا وهناك وسط أحضان الطبيعة، لتختفي عن الأنظار؛ وكأن المكان خال من رواده، لا يرى فيه أحد إلا بعد الخروج إلى الممرات الرئيسة، التي تجمع مرة أخرى، العدد الكبير من الزوار؛ فتارة يصعب المشي وسط الزحمة، ومرة أخرى تمنحك الصفاء والخلوة والراحة، بعيدا عن أي ضوضاء أو زحمة الزوار هناك.

ولقد تحولت الحديقة بالنسبة لسكان بلدية بلوزداد، إلى الحديقة الخلفية لسكان الشقق هناك، الذين ما إن تمسي العشية حتى يتوافد عليها شباب ونساء الحي للجلوس هناك، فالبعض يصطحب لمجته الخفيفة، وآخرون قهوة المساء للاستمتاع بها في أجواء جميلة ومميزة جدا.

وللإبقاء على النظافة والهدوء وحتى الأمن، تسهر فرق أمنية وحتى أعوان شرطة على ضمان ذلك الانضباط داخل الحديقة. وفوق دراجاتهم الهوائية يشكل هؤلاء دوريات متكررة، تسمح للعائلات بالشعور بالراحة والطمأنينة؛ ما يزيدهم عشقا للحديقة، إلى جانب القوانين الصارمة التي تجعل رجال الخفاء العاملين هناك، يقفون ويسهرون على مراقبة أي تعدّ على تلك النباتات والأشجار، وحتى العشب.

وأكثر الصور جمالا التي رُسمت داخل الحامة، كانت للأطفال الذين يركضون هنا وهناك للتعبير عن سعادتهم وحريتهم بين أحضان الطبيعة الشاسعة، والتي عند تعدي أبوابها مباشرة، يُخيَّل للفرد أنه انتقل من مكان إلى مكان مختلف جدا؛ من عاصمة بها ضوضاء وحركة كبيرة وتلوث، إلى منطقة استوائية ونظيفة، وبهواء نقي، تريح الجالس هناك.