من فطرة الأمومة إلى ذكاء التطبيقات
جيل جديد ينتقل من حضن الجدة إلى شاشات الهواتف

- 297

ظهرت، خلال السنوات الأخيرة، ملامح واضحة لتحول كبير في أساليب التربية، حيث بدأت الأمهات الشابات يعتمدن بشكل متزايد على العالم الرقمي، سواء من خلال التطبيقات، أو المحتوى التربوي الإلكتروني، أو مجتمعات الأمهات على وسائل التواصل الاجتماعي، إذ أن جيل الأمهات الجديد يبدو مختلفا تماما عن أمهات الأمس، ليس من حيث الوسائل فحسب، بل من فلسفة التربية والقدرة على الوصول إلى المعلومة، والتفاعل مع تحديات الحياة الحديثة، وحتى تغيرات سلوكيات أطفال اليوم.
كانت التربية، في الماضي، تعتمد على الموروث الثقافي والاجتماعي، وغالبا ما تبنى على خبرات الجدات والأمهات الأكبر سنا، تلقين تعاليمها من أم عن جدة، كانت الأم تربي أطفالها بناء على ما تعلمته من بيئتها، والدليل على ذلك، دائما ما تردد بعد ردة فعل معينة أو نصيحة ما، هذا ما تعلمناه أيام زمان، متأثرة بذلك بالقيم التقليدية والعادات التي لا تحتمل الكثير من النقاش أو التغيير، لكن يبدو أن اليوم، أصبح الهاتف المحمول أشبه بـ"شريك تربوي"، حاضر في كل لحظة، يساعد الأم الجديدة على اتخاذ قراراتها، من لحظة الحمل، إلى مراحل نمو الطفل المختلفة، وبلوغه سنا يعتمد فيه على نفسه، أو حتى بعد ذلك.
الأم الحديثة... بين الوعي والمعرفة الفورية
لا يمكن إنكار أن الأمهات الجدد، أكثر وعيا فيما يتعلق بالنمو النفسي والذهني والجسدي للطفل، لا يعني ذلك بالضرورة أكثر حكمة، إنما سهولة بلوغهن المعلومة، يسّر عليهن المهام كثيرا، هذا ما أكدته ليلى فارس، أخصائية اجتماعية، مضيفة أننا اليوم، نشهد جيلا من الأمهات أكثر إطلاعا من أي وقت مضى، يمكن للأم أن تصل خلال ثوان إلى أبحاث علمية، وتتطلع على تجارب أمهات في مختلف أنحاء العالم، هذا ما أعطاها وعيا كبيرا ومنحها بالتالي أدوات جديدة للتعامل مع الطفل، لكنه في نفس الوقت، يضعها تحت ضغط هائل لتكون مثالية طوال الوقت.
وأكدت فارس، أن "المعضلة اليوم ليست في قلة المعلومة، بل في فرطها، حيث تجد الأم نفسها أمام كم هائل من الآراء والنصائح، بعضها فعالة، لكن أخرى متناقضة، وهنا تظهر الحاجة إلى التمييز، وعدم الانجرار خلف كل ما ينشر على المنصات الاجتماعية أو التطبيقات، دون مرجعية علمية".
شددت المتحدثة، على أن التكنولوجيا والعالم الرقمي سلاح ذو حدين، لا يجب الاستخفاف بخطورته، وأشارت إلى أن من أبرز أدوات الجيل الجديد للأمهات؛ التطبيقات المتخصصة في متابعة نوم الطفل، وجدول طعامه، ونموه البدني والذهني، إلى جانب المنتديات الرقمية والمجموعات المغلقة، التي تتشارك فيها الأمهات خبراتهن، يصل بعضها إلى الالتحاق بدورات تكوينية لدى خبراء تربية وأخصائيين نفسانيين، وأطباء أطفال عبر الأنترنت، مقابل أحيانا مبالغ مالية، الهدف الوحيد، التحول إلى أم مثالية وتقديم تربية صحيحة للطفل، وهذا ما يمنح الأم شعورا بالدعم، ويكسر العزلة التي قد ترافق الأمومة، خصوصا في مراحلها الأولى، لاسيما بالنسبة للطفل الأول، في غياب تجربة سابقة.
لكن في المقابل، لا يخلو الأمر من سلبيات، تقول الأخصائية، فالإفراط في الاعتماد على التطبيقات قد يضعف الحدس الأمومي الفطري، ويجعل الأم في حالة قلق دائم، من أنها "لا تفعل ما يكفي"، وعلى أنه لا يمكنها أن تعتمد على الفطرة في احتواء طفلها، خاصة عندما تقارن نفسها بأمهات أخريات، يبدين حياتهن مثالية على الأنترنت.
التربية التقليدية... البساطة والثبات
بالمقارنة مع الجيل القديم، تقول ليلى فارس، نجد الأمهات السابقات يتمتعن بنوع من الثقة والبساطة في التربية. لم تكن هناك تطبيقات تخبرهن بعدد ساعات النوم، أو مقاطع فيديو تشرح كيفية التعامل مع نوبات الغضب، ومع ذلك، نجحن في تربية أجيال متماسكة، وإن اختلفت ظروف الحياة والمعايير التربوية. التربية التقليدية كانت تركز على الانضباط، القيم، والالتزام العائلي، تؤكد الخبيرة، مضيفة أن الأم التقليدية تعتمد خاصة على مكتسبات حملتها منذ صغر سنها، بينما تميل التربية الحديثة إلى الاهتمام بالمشاعر الفردية للطفل، وتغليب الحوار على الأوامر، حتى وإن لم يكن ذلك دائما حلا فعالا.
وأن المسالة ليست مسألة صراع بين القديم والحديث، تقول ليلى، بل دعوة للتوازن. فالأم الرقمية اليوم، تملك أدوات هائلة للتعلم والتطوير، لكنها بحاجة إلى دمج هذه المعرفة مع الفطرة، والتجربة، والثقة بالنفس وكذا الحدس الأمومي، كما أن استلهام بعض مبادئ التربية التقليدية كالاحتواء، والحكمة في المعاملة، لا يتعارض مع استخدام التكنولوجيا، بل قد يثري التجربة التربوية.