بسبب غلاء أضاحي العيد هذا العام
جمعيات تستقيل من العمل التضامني وأخرى تلجأ لـ"الوزيعة"

- 889

وجدت الجمعيات الخيرية نفسها عاجزة على تأمين أضاحي العيد هذا الموسم، وإسعاد العائلات الفقيرة والمعوزة، بسبب الغلاء الفاحش الذي تعرفه أسعار المواشي هذه السنة، والتي فاقت سقف 70 ألف دينار للأضحية، الأمر الذي دفع ببعض الجمعيات إلى التخلي عن هذه المبادرة التضامنية، فيما اختارت بعض الجمعيات الأخرى التأثير على العامل العاطفي، على غرار جمعية "كافل اليتيم"، بينما راهنت أخرى الاستنجاد "بالتويزة"، لتوسيع دائرة التكافل الاجتماعي.
تحول شراء أضاحي العيد خلال السنوات الأخيرة، إلى انشغال كبير تفكر فيه العائلات أشهرا قبل حلول الموعد، وحتى بالنسبة لتنظيمات المجتمع المدني الخيرية، وعلى الرغم من إقرار بعض الصيغ، التي تسمح لبعض العائلات باقتنائه عن طريق الدفع بالتقسيط، إلا أن بعض العائلات اختارت عدم المجازفة، لعدم قدرتها على تسديد النفقات، بالنظر إلى الغلاء الفاحش المسجل هذه السنة في سعر الأضاحي، وفي المقابل، فضلت بعض الجمعيات هي الأخرى، الانسحاب وعدم تقديم وعود بتأمين الأضاحي للعائلات الفقيرة، التي اعتادت على التعامل معها، بالنظر إلى شح المساعدات، من جهة، وعدم وجود متبرعين بالأضاحي لفائدة الجمعيات الخيرية، حسب ما قالت رئيسة جمعية "يد العون" الخيرية، فاطمة الزهراء قليل، وقد ذكرت أن الأمر تقرر الانسحاب والاكتفاء بالانتظار، بعدما عجزت محاولات أعضاء الجمعية، عن طريق نشر الإعلانات عبر مختلف الوسائط المتاحة، للمشاركة ولو بالقليل لتأمين أضاحي العيد لفائدة بعض العائلات. مشيرة إلى أن الإشكال الكبير بالنسبة للجمعيات الخيرية، هو عدم وجود الدعم والاعتماد كليا على ما يجود به المحسنون، لافتة إلى أن أملها كبير في أن يتبرع لها بعض المحسنين ولو ببعض الأضاحي، لتتمكن من ذبحها وتوزيع لحومها على بعض العائلات الفقيرة.
وهو ذات الانطباع الذي لمسناه عند رئيسة جمعية "نور" للمرأة والطفل والأسرة، دليلة حسين، التي أكدت في معرض حديثها مع "المساء"، بأنها خلافا للسنوات الماضية، التي سجلت فيها أسعار الأضاحي ارتفاعا، غير أنه كان في الإمكان استقبال بعض التبرعات من المحسنين الذين يقصدون الجمعية، للتصدق بعدد من الأضاحي، تقول: "حيث وزعنا السنة الماضية 35 أضحية، غير أن هذه السنة الارتفاع الجنوني والمبالغ فيه في أسعار الأضاحي، أرعب كل المحسنين، فالكل اليوم، يفكر في كيفية تأمين أضحيته"، مشيرة بالمناسبة، إلى أن الدعم الكبير الذي تتلقاه الجمعيات هي تلك التي تكفلت برعاية اليتيم، أما باقي الجمعيات النسوية أو الخيرية، فهذه السنة تعاني كثيرا من شح التبرعات، الأمر الذي أثر على نشاطاتنا وجعلنا "غير قادرين على برمجة عدد من المشاريع الهامة، التي تصب كلها في مصلحة الطفل والمرأة والأسرة، بما فيها التكافل والتضامن مع العائلات أيام عيد الأضحى المبارك"، لافتة بالمناسبة، إلى أن الجهات المعنية مدعوة اليوم، أكثر من أي وقت مضى، بالنظر إلى الدور المحوري للجمعيات الخيرية في تحقيق التكافل الاجتماعي، إلى إعادة النظر في طريقة الدعم التي تقدم فقط لفائدة الجمعيات الثقافية والرياضية، فيما يتم إقصاء الجمعيات الخيرية".
الاستنجاد بـ"التويزة" أو "الوزيعة " لتوسيع دائرة المستفيدين
من جهته، أكد محمد الغبريني، رئيس جمعية "سواعد الإحسان" فرع البليدة، بأن الغلاء الكبير المسجل في سعر الأضاحي هذه السنة، جعلهم يفكرون في تغيير منهجية العمل، لتمكين أكبر عدد ممكن من العائلات من الاستفادة، من خلال توجيه الأموال المحصل عليها من التبرعات لشراء "العجول"، ومنه ذبحها يوم العيد وتوزيع لحومها على العائلات الفقيرة المسجلة لديهم، وحسبه، فإن الجمعية رفعت التحدي من أجل تسجيل الحضور وعدم تخييب آمال العائلات الفقيرة، التي تعودت على الاستفادة من عطاء الجمعية، مشيرا إلى أن الغاية من اللجوء إلى عادة الأجداد أو ما يعرف بـ«التويزة" أو "الوزيعة"، هو التفكير في توسيع العمل التضامني، عوض شراء أضحية وإسعاد عائلة واحدة، بالإشراف على عملية الذبح وتوزيع اللحوم، مؤكدا بالمناسبة، أن الجمعية ينتظر أن تتكفل بأكثر من 60 عائلة، إلى جانب تمكينها من قفة العيد في التفاتة تضامنية خيرية".
من جهة أخرى، أكد المتحدث أن الإقبال على التبرع، عرف تراجعا بالمقارنة مع السن الماضية، ولديه ما يبرر طبعا، وهو الغلاء الكبير المسجل في سعر الأضحية، يقول "من أجل هذا، اخترنا عوض الانسحاب من هذا النشاط التضامني، البحث عن حلول من شأنها أن تدخل الفرحة والسرور على قلوب كل العائلات غير القادرة على الاحتفال بهذه الشعيرة الدينية، التي أثر عليها الارتفاع غير المعقول في الأسعار".
فيما عبر طارق لطرش، مكلف بالاتصال بجمعية "كافل اليتيم" لولاية البليدة، عن ارتياحه للتضامن والتكافل الكبير الذي تتلقاه الجمعية من المحسنين، مؤكدا أن "عملية التبرع لا تزال متواصلة، حيث ينتظر أن تبلغ الجمعية سقف 1500 أضحية" يقول: "حسب المعطيات الأولية، فإن حملة عيدنا تكافل في طبعتها 12 لهذه السنة، وعلى الرغم من الارتفاع الجنوني في أسعار الأضاحي، إلا أن الجمعية تمكنت السنة الماضية، من جمع 1401 أضحية، واليوم نرفع التحدي لبلوغ أكثر من 1500 أضحية، حيث تلقينا مؤخرا، تبرعا من محسن بـ20 أضحية"، وحسبه "فإن جمعية كافل اليتيم الخيرية تراهن كثيرا على قيمة إنسانية في عملها التضامني، وهي استمالة عاطفة المتبرعين ليكونوا داعمين لهذه الفئة من المجتمع، وهي اليتيم".
في السياق "أكد المتحدث"، أن جمعية "كافل اليتيم"، وبحكم تخصصها في اليتيم والأرملة ورعايته، تمكنت من كسب ثقة المتبرعين الأوفياء، الذين تعودوا على دعم الجمعية، خدمة لليتيم الذي أوصى عليه نبينا الحبيب المصطفى في قوله "أنا وأكل اليتيم كهاتين"، وكلها مؤشرات شرعية ودينية وثقافية وعرفية، جعلت المتبرع دائما يبحث عند تصريف أمواله في الجمعيات التي تعنى برعاية هذه الفئة من المجتمع، مؤكدا بالمناسبة "أن بعض أرباب العائلات في مواسم سابقة، يقصدون الجمعية، بالنظر إلى عجزهم عن شراء الأضحية، ويتبرعون ببعض الأموال لفائدة اليتيم، الأمر الذي جعل جمعية "كافل اليتيم" في كل سنة ترفع سقف التحدي، وتراهن دائما على ترسيخ هذه القيمة الدينية، وهي التضامن والتكافل الإنساني والاجتماعي.
من جهة أخرى، أشار المتحدث، إلى أن جمعية "كافل اليتيم" لا يقتصر نشاطها التضامني على توزيع أضاحي العيد أياما قبل حلوله، إنما تقوم أيضا في أيام التشريق التي تعد امتدادا لعيد الأضحى، حيث يتم استقبال كميات كبيرة من لحوم الأضاحي، ليتم توزيعها أيضا على الأرامل والأيتام، مؤكدا أن سعر الأضاحي جد مرتفع: "وهو ما شعرنا به عند زيارتنا للموالين، حيث وقفنا على الأسعار المبالغ فيها".