تبدأ بدخول شهر الأنوار وتمتد على مدار أيام

تيميمون.. عادات راسخة وطقوس مميزة في إحياء المولد النبوي

تيميمون.. عادات راسخة وطقوس مميزة في إحياء المولد النبوي
  • 256
رشيدة بلال رشيدة بلال

قدم الحرفيون المشاركون في فعاليات الأيام الثقافية لولاية تيميمون، المنظمة بدار "الفنان رابح درياسة" في البليدة، لزوار المعرض، لمحة عن أهم العادات والتقاليد التي يتبعها سكان الجنوب الجزائري، احتفالاً بالمولد النبوي الشريف. وقد كشفت هذه التظاهرة، التشابه الكبير بين سكان الجنوب والشمال في الطقوس الاحتفالية، مع بعض الاختلافات التي تعكس غنى وتنوع الموروث الثقافي الوطني، وهو ما حاولت "المساء"، تسليط الضوء عليه، من خلال تواجدها في المعرض.

قال حسين قاديري، رئيس غرفة الصناعات التقليدية، وحرفي مختص في فنون النسيج والصباغة الطبيعية لصوف الزرابي، في حديثه لـ"المساء"، إن احتفالات المولد النبوي الشريف بولاية تيميمون أو "قورارة"، تبدأ منذ اليوم الأول من حلول شهر ربيع الأول، حيث تُنظَّم الاحتفالات في المساجد التي يتم تنظيفها وتطييبها مسبقاً، ويرتدي الرجال أجمل الأثواب وعادة ما تكون بيضاء. ومن ثم تنطلق جلسات الذكر والتهليل ومدح خصال الرسول الكريم (ﷺ)، إلى غاية يوم مولده الموافق لـ12 ربيع الاول، حيث تعم الاحتفالات الأحياء والشوارع.

أما في ليلة المولد، فتُتلى قصائد البردة ويُقرأ القرآن الكريم في المساجد، إلى غاية اليوم الموالي، حيث تمتلئ بجموع الزوار من مختلف ولايات الوطن، الذين يقصدون تيميمون لمعايشة هذه الأجواء الروحانية المميزة.

ويضيف قاديري، أن قراءة القرآن والمدائح النبوية تستمر إلى غاية اليوم السابع، فيما يُعرف محليا بـ"السبوع". ويُختتم القرآن في أربع مناطق مجاورة تيميمون، في مدة زمنية قياسية، من صلاة العصر إلى صلاة الفجر تباعا، في كل من منطقة أولاد سعيد، التي تبعد 18 كلم عن الولاية، وكذا  منطقة ماسينوا وتيميمون نفسها، احتفالات الختام. ويُقام يوم "السبوع"، احتفال كبير عند جبل السبوع، يتميز بإطلاق البارود وكثرة المديح والتكبير، ثم يتوجه المحتفلون إلى زاوية سيدي الحاج بلقاسم، الواقعة على بعد 5 كلم من تيميمون، والتي تعد محطة رمزية هامة في إحياء هذه المناسبة الدينية العظيمة.

ويُروى عن سيدي الحاج بلقاسم، حسب المتحدث، وهو من الأولياء الصالحين، أنه رأى في المنام الرسول عليه الصلاة والسلام، الذي كلفه بحل نزاع بين القبائل، ليتم الصلح في منطقة "الحفرة"، التي أصبحت شاهدة على هذا الحدث التاريخي. ومنذ ذلك الحين، تحولت "الحفرة" إلى مكان يجتمع فيه الناس لإحياء ذكرى المولد النبوي، حيث تتلاقى الرايات التي تمثل مختلف القبائل وأوليائها الصالحين، وسط رقصات شعبية يرافقها دوي البارود والمدائح النبوية، إضافة إلى تلاوة القرآن الكريم.

يستعد سكان المنطقة لهذه المناسبة، بالتحضير المبكر للبارود، والألبسة التقليدية البيضاء، والأطباق الخاصة، على غرار كسكسي الشعير باللحم، و"كسكسي الصراير"، وخبز "الرقاق"، وأكلة "تاباتة" أو "ملح البردة" الشبيهة بـ"الطمينة" في الشمال، مع استعمال أكثر من 12 عشبة محلية في إعدادها، وهي من الأطباق الحلوة. ومن خصوصيات هذه الاحتفالات أيضاً، أن بعض المناسبات الاجتماعية الهامة، مثل الأعراس الجماعية وختان الأطفال، تُقام خصيصاً في يوم "السبوع"، تبركا بمولد خير البشرية.

ومن أبرز ما يميز احتفالات تيميمون بالمولد النبوي، أن كل البيوت تُفتح لاستقبال الضيوف عبر ما يُعرف بـ"دار الضياف"، حيث يجد أي زائر المأكل والترحاب، في مشهد يعكس كرم المنطقة وأصالتها. وتمسكها بعاداتها وتقاليدها

ويؤكد قاديري، أن الاستعمار الفرنسي حاول طمس هذه الطقوس التي تمتد على مدار أيام، غير أنه فشل أمام تمسك السكان بها. واليوم، وبفضل هذه الخصوصية الفريدة، صُنفت احتفالات تيميمون، بالمولد النبوي الشريف ضمن قائمة التراث اللامادي في منظمة "اليونيسكو"، ليس فقط كحدث احتفالي، بل كممارسة اجتماعية متكاملة، تشمل الحرف والصناعات التقليدية والتقاليد والتعابير الشعبية، بما فيها اللغة، باعتبارها عنصراً تراثياً أصيلاً.