المطبخ التلمساني العريق

تقاليد وعادات تعكس حضارة المنطقة

تقاليد وعادات تعكس حضارة المنطقة
  • 1147
نور الهدى بوطيبة نور الهدى بوطيبة

دعت المختصة في الأكلات التقليدية، الشاف سميرة أومكي، ابنة ولاية تلمسان، إلى أهمية المحافظة على تقاليد الطبخ، من خلال نقلها للأجيال الصاعدة والإبقاء على أصالة الوصفات، مشيرة إلى أن حروبا باردة تشنها دول الجوار، لنسب أطباق معينة إلى ثقافتها وتقاليدها، وهي ليست كذلك، الأمر الذي يستدعي تثمين التراث المحلي، من خلال البحوث والدراسات التاريخية، بهدف وضع مراجع خاصة بالطبخ الجزائري، الذي يتميز بتنوع كبير، ويعد المطبخ التلمساني، حسب تأكيدها، واحدا من أغنى المطابخ التي تقدم ألذ الأطباق وأشهى الوصفات.

أبدت الشاف سميرة أومكي، التي تدير مطعما تقليديا بتلمسان رفقة زوجها، أن المطبخ التلمساني له ميزته الخاصة، على غرار تنوعه عبر ربوع الوطن، رغم تشابه العديد من الأطباق من ولاية إلى أخرى، إلا أن بعض التفاصيل الصغيرة، تجعل الفرق كبيرا بين تلك الأطباق، وفق المتحدثة. وبالحديث عن التفاصيل، تقول الشيف أومكي؛ "لا يمكن تفويت الحديث عن التوابل التي تعد التركيبة الرئيسية لكل طبق، ويمكن لتابل واحد ان يخلق ذلك الفرق، وينقل متذوقه من منطقة إلى أخرى".

أوضحت المتحدثة، أن المطبخ التلمساني يزخر بالعديد من الوصفات التقليدية، سواء الأطباق الرئيسية، أو الحلويات، أو حتى بعض المعجنات التي تنسب للمطبخ التلمساني دون غيره، وبامتياز، وقالت إن بعض تلك الأطباق تتشابه بين أطباق المطبخ الوهراني، وتتقارب إليها كثيرا، لكن رغم ذلك، تحاول ربات البيوت في عاصمة الزيانيين، دائما الحفاظ على أصالة المطبخ التلمساني، بتفاصيله المحددة التي لا يمكن التخلي عنها.

وأضافت أومكي أن كل مطبخ يعكس جزء من هوية المنطقة، ويبرز ما لها من عادات وتقاليد، وحتى أحيانا شخصية مواطنيها، وميولاتهم، ورغباتهم، وهذا يتحدد عادة بنوعية التوابل، أو كمية اللحوم المستعملة للطبخ، أو أنواع الخضر والفواكه، وحتى المكسرات، كلها تعطي مزيجا من المقادير التي تعكس جانبا من ثقافة المنطقة.

سكان تلمسان لا يستهويهم أكل الشوارع

أشارت الشيف أومكي، إلى أن سكان ولاية تلمسان، يعتمدون بشكل كبير على الأكلات المحضرة في البيت، ويولونها اهتماما خاصا، وليست لهم ثقافة كبيرة في أكل الشوارع أو محلات الأكل السريع، والدليل على ذلك، قلتها في شوارع تلمسان، إذ تجد البعض منها تتخصص في تحضير السندويتشات أو البيتزا، دون غيرها من المطاعم التي تتخصص في تحضير الأكلات العالمية، فيما تبقى فئة قليلة من الشباب من يتوافدون على محلات الأكل السريع مناسباتيا، على حد تعبيرها.

"المدربل" تكريما للضيف

أشارت إلى أن المطبخ التلمساني يتميز بالكثير من الأطباق والحلويات والمعجنات التقليدية، وذكرت على رأسها "المدربل"، الذي يعتبر أحد الأطباق العريقة التي كان يكرم بها الضيف أيام زمان، وهو طبق محضر من دوائر الباذنجان المقلي، ويتم إعداده على جنب مرق بلحم الغنمي أو الدجاج، بالثوم والبصل والزعفران والحمص والفلفل الأسود والقليل من القرفة والكروية، مرقه أبيض، ويقدم بتزينه بدوائر الباذنجان المقلي، وقالت إنه في زمن مضى، كان التعبير عن ترحاب الضيف "العزيز" بتحضير هذا الطبق بلحم الماعز، وكان من الأطباق المحببة لدى الغالبية، خاصة الكبار، إلا أنه اليوم، يحضر بلحم الغنم أو الدجاج، ولا تزال تحافظ البيوت التلمسانية على لذة واحد من أشهى أطباقها.

"الحريرة" حاضرة على مدار أيام السنة

لا يمكن المرور بالمطبخ التلمساني، دون الحديث عن "الحريرة" التلمسانية، التي شهدت صدى وطنيا، تقول المتحدثة: "وحتى صدى أجنبي، للذتها ومنافعها في مد الجسم الطاقة والمنافع، بفضل كمية الخضار الذي تحويه هذه الشوربة، وقالت إنها من الأطباق التي دائما ما تحضر في الأفراح وحتى الأقراح، وهو طبق يجمع العائلة في المناسبات، تحضيره جد بسيط بالنسبة للعائلات التلمسانية. تقول سميرة أومكي: "ونظرا لتكرار تحضيره على مدار الأسبوع، طيلة أيام السنة، بات من عادات المطبخ السهلة للنسوة، وتحضيره لابد أن تفقهه كل فتاة تلمسانية منذ صغر سنها"، وقالت بأن "حريرة" الأفراح تختلف عن "حريرة" البيت، من حيث الخضار التي يتم تحضيرها بها، إلا أنه في الأفراح، يتم الاعتماد بشكل خاص، على البصل والجزر والطماطم بشكل كبير، دون أي خضار أخرى، ليتم إضافة التوابل الأساسية لهذا الطبق، وهي الزنجبيل، راس الحانوت، الزعفران، القرفة، الفلفل الأسود، وبطبيعة الحال الكروية، هذه الأخيرة التي تضاف على مرتين عند الطبخ، وعند الانتهاء من التحضير، أي بعد إطفاء النار على القدر، تضيف المرأة كمية أخرى من الكروية في الحريرة، كما يوضع جانبا على المائدة للراغبين في إضافة المزيد في صحونهم، وقالت إن "الحريرة" كلمة جاءت تبعا لمكون سري، وهو مزيج يعطي تلك "الخثارة للطبق" ويجعله سميك القوام، وهي الدقيق الأبيض "الفرينة" الممزوجة بالماء والليمون والقليل من الكروية، وهنا تختلف هذه الوصفة السرية من بيت لآخر، فالبعض يكتفين بـ«الفرينة" والماء، وأخريات يضفن الخميرة ويتركنها ترتاح ليلة كاملة".

المعجنات سيدة الموائد بلا منازع

قالت أومكي، إن المطبخ التلمساني يتميز ببعض التقاليد المشابهة للمطبخ المغربي، بحكم الموقع والجيرة، بالتالي نجد الكثير من البيوت التلمسانية، تعتمد على بعض التقاليد المشابهة لتقاليد الطبخ المغربي، كـ«البسطيلة" التي يعد حضورها واجبا في الأفراح، وهي شبيهة بـ"البوراك"، إلا أن ميزتها "الحلو المالح"، أي مزيج بين مكونات مالحة وأخرى حلوة، مثل السكر الذي يمزج مع القرفة واللوز ويضاف داخل "البسطيلة" مع الدجاج والبصل المكرمل.

كما ذكرت المتحدثة أطباقا أخرى لا تقل شهرة كـ«السفة"، التي تحضر من الكسكسي الناعم، يضاف إليها الجوز والعسل وتؤكل باللبن، إلى جانب المحمر وطاجين الحلو، وهو اللحم المحضر بالبصل والزعفران فقط، ويزين بالبرقوق والزبيب وحبات اللوز المحمص، يحضر هذا الطبق غالبا في المناسبات والأفراح، وحتى الأعياد الدينية، على غرار شهر رمضان.

أما عن الحلويات والمعجنات التقليدية، فذكرت الشيف عددا منها، كـ«الملوي"، الذي يُحضر بالدقيق وزيت الزيتون، وهي أوراق تشبه "المسمن" أو "لمعارك" العاصمية، لكن لونها فاتح جدا، تلف وتقدم مع القهوة المسائية، إلى جانب "القريوش" والكعك التلمساني  و«المقروط" و«الصامصة" المعسلة..