الحمّام والحنة في منطقة الأوراس

تقاليد وطقوس راسخة في أعراس الشاوية

تقاليد وطقوس راسخة في أعراس الشاوية
  • 302
بزاعي عبد السلام  بزاعي عبد السلام 

ككل المناطق الجزائرية تقيم العائلات الأوراسية أعراس الزواج والختان في أجواء الفرحة التي تلازم المناسبة قبل أسبوع من التحضيرات. وإن كانت هذه ميزة تُحسب لهؤلاء العائلات، فإن الحداثة بالمدن الكبرى أتت على القسط الكبير من الطقوس التي تلاشت، ولا يمكن قراءتها سوى في عيون الشيوخ والعجائز، الذين لايزالون متمسكين ببعض العادات والتقاليد رغم التطور الذي عرفته المدينة والتجمعات السكانية الكبرى.

العرس في الأوراس يتسم بالحفاظ على مجموعة من العادات الأساسية التي لا يمكن الاستغناء عنها كليلة حناء العروس، و"حمّام العروسة" و "التصديرة"، وطبق الكسكسي باللحم والمرق الأبيض، وملء غربال بالحلوى والمكسرات الذي يوزعه أهل العروس على المدعوين.

وتحدثت "المساء" مع السيدة نادية زردومي بصفتها نشطة مهتمة بالشأن الثقافي، ورئيسة نادي "ماركوندا" الأوراس، حول التحضيرات لليوم الموعود، والتي تسبقها الاستعدادات  أسبوعا قبل موعد المناسبة، إذ يحضّر أهل الزوج الكسكسي والحلويات التقليدية كالرفيس، والمقرود والزيراوي. ثم يحضّرون كبشا، وما يتطلب من مستلزمات الطهو لأهل العروس. ويتم ذبحه عند أهل الزوجة، لإعداد أطباق "البربوشة" أو الكسكسي قبل تناول القهوة. وبعودة أهل الزوج لإعداد العشاء ببيتهم تقام سهرة للاستمتاع بأغان تقليدية شاوية تؤديها فرق الرحابة المشهورة في منطقة الأوراس.

وفي يوم العرس يقام غداء على شرف المدعوين، حيث تحضَّر وجبة "البكبوكة"، لينطلق بعدها الموكب من دار أهل الزوج في اتجاه منزل عروسه، في موكب فريد من نوعه، باستعمال الخيل لنقل العروس إلى بيتها على طلقات البارود، وأنغام فرقة الرحابة.

"الحمّام" ... طقوس توديع حياة العزوبية وتطهير الروح والجسد

تقول السيدة زردومي: "يسمى اليوم الذي يسبق العرس بـ "نهار الحمام" . ويخصَّص للعروس وصديقاتها وقريباتها، للاحتفال. ويكون، عادة، قبل يوم الزفاف بيوم أو يومين، فهذا التقليد لن يندثر، وكل العائلات الأوراسية متمسكات به إلى يومنا هذا" . وأردفت تقول إن العروس ترافقها مجموعة من النسوة؛ "صديقاتها، وأخواتها، وبنات خالاتها أو عماتها"، وهن يرتدين أجمل اللباس التقليدي الشاوي؛ مثل "العفنانة" أو "الحايك" المطرّز، ويحملن سِلالا بها الصابون البلدي، والحناء، والورد ومناشف فاخرة.

خطى على وقع الزغاريد

وتخرج المجموعة من المنزل بالزغاريد للإعلان عن توجه العروس إلى الحمّام بمرافقة طبول الدف أو الغايطة (الزرنة) على أنغام تقليدية تراثية. 

ومن الأغاني المشهورة بحسب محدثتنا: "يا حمام مشيتي بعيد والعروسة جاتك تزيد" ، أو "حمام العروسة زاهية فيه والحنة في يديها تنادي عليه".

وحول رمزية هذه الطقوس تقول السيدة نادية إن "الحمّام يشير إلى التطهير الروحي والجسدي للعروس قبل الدخول إلى الحياة الزوجية، وهو ما يمثل أيضا، لحظة وداع العزوبية، ومشاركة الفرح مع الصديقات. وله طابع خاص، يوحِّد النساء في لحظة حميمية دافئة".

وتأخذ العروس حمّامها وسط أجواء من المزاح والضحك والتطبيب، حيث تُرش العروس بالماء المعطّر. وتغطَّى بالزهور. وتحنَّى يداها. ثم توضع لها العطور التقليدية؛ مثل الجاوي، والمسك الحر، والطيب. وأضافت: "لن تفوّت الفرصة من الحاضرات بتقديم هدايا رمزية للعروس؛ مثل الصابون المعطر، أو مستحضرات تقليدية للجمال. وتسمى هذه الهدية أحيانا، النفقة أو النقطة. وبعد العودة من الحمّام تقام جلسة شاي، مزيَّنة بالحلويات؛ مثل المقروط، والزلابية، وكعب الغزال"..

الحنّاء جوهر الفرح

يوم الحنـاء يكون بعد إحضار جهاز العروس إلى بيت زوجها، وذبح "شاة الحلال"، حيث يذهب أهل دار الزوج إلى دار العروس يوم الأربعاء، فيُحضـرون معهم صينية من القشقشة تحوي على الحلوى، والجوز، والتمـر، ومختلف أنواع المكسرات والفواكه التي يتم وضعها، لاحقا، فوق رأس العروس. ثم تأخذ واحـدة من أهل الزوج. ويُستحب أن تكون كبيـرة العائلة كالجدة أو العمة مع أم العروس بخلط الحناء مع الحليب أو ماء الورد، والبنات ملتفّات حول الصينية ويغنين أغاني تراثيـة؛ منها (حنة يا لحنينة جابوها الرجال) و(الحنة سايرة تحني لعروسة وصحاباتها دايرة)، ومدائح عن النبي محمد، يصلون ويسلمون عليه على ضوء الشموع، إذ يجب أن تكون على يمينها ويسارها فتاتان عذراوان مقبلتان على الزواج، تحملان الشموع. ثم توضع دائرة حنّاء في كفي العروس، وتُختم بـويزة من ذهب، وخاتم؛ دلالة على المحبة. ثم تدوي زغاريت المنـزل.

وفي الصينية حلوى وقشقشة يتم وضعها فوق شاش العـروس، في حين حبات الحلوى التي تسقط في حجر العروس هي عدد الأولاد التي ستـُرزق بهم في المستقبـل. وهناك من يراها خرافات وطقوسا تؤمن بها العجائز، بينما يرى البعض الآخر أنها في غاية المتعة والروعة، مازالت تطبَّق إلى يومنا هذا.

"الملحّفة" و"التلي" و"الخلال"

وأهم ما يميـز ذلك اليوم لباس المرأة الأوراسية المعروف "بالملحفة"، وهو قطعة هامة في اللباس الشاوي، الذي قد يأتي على ألوان مختلفة. وما يزيد "الملحفة" جمالا ورونقا تزيين المرأة بالحلي الفضية "التلي" كالخلال. وإلى يومنا هذا مازالت منطقة الأوراس تحيي يوم الحناء على طريقة الأجداد؛ باعتبارها جزءا لا يتجزأ من تاريخ وتراث المنطقة آنذاك.

وتقول السيدة زردومي إن تفاصيل الحناء هي جوهر عنوان الفرح عند العروس. ومن جدواها خلق أجواء الفرحة والتبرك؛ إذ تتنافس الفتيات في الظفر بحناء العروس؛ تيمنا بهذا اليوم المبارك. وتوضع في صحن مزيَّن بالشراشف والشموع تحت وقع الغناء والزغاريد باستعمال"البندير" . وتردد النسوة أغاني شاوية معروفة، وغالبا ما تكلَّف سيدة سعيدة في حياتها الزوجية بوضع الحناء للعروس، على أن تكون من أهلها؛ تبركا بها، ليتم بعد ذلك تخضيب بها أيدي الفتيات الأخريات؛ تفاؤلا، واعتقادا بالظفر بزوج في أقرب وقت. 

كما توضع صينية وسط الغرفة لجمع ما تجود به النسوة من هدايا ونقود؛ احتفاء بالعروس. وتحرص أم الزوجة على أن تقوم بإعدادها؛ تفاديا لكل مكروه وما يُعتقد من حسد، وسحر.

وفي هذا المشهد المميز تظهر النسوة بالحلي الفضية؛ منها إيزم لاي، وأحناشي. وأخلخال، وامقياس، ولمشرف، وهي تسميات لحلي تقليدية بمنطقة الشاوية بالأوراس، تمثل زخما ماديا لا يمكن الاستغناء عنه إضافة إلى اللباس التقليدي؛ من جبة شاوية، ولحاف خاص بالمرأة، مزيَّن بخطوط صفراء وزرقاء.