هواية تناقلتها الأجيال
تربية العصافير.. قصة عشق لا يدرك أسرارها إلا المولعون
- 1925
نور الهدى بوطيبة
تنتشر هواية تربية الطيور والعصافير وسط شباب وكهول الجزائر بصفة مثيرة للاهتمام. عشقٌ تترجمه الصور والمواقف اليومية للشباب الحاملين لأقفاص تلك العصافير، متجولين بها هناك وهناك بدون أي عقدة، جاعلين من تلك العصافير الجميلة أكثر من حيوانات أليفة ولطيفة، بل أنيسا لهم، ينقلونه أينما تواجدوا؛ وكأنه جزء لا يمكن أبدا أن يتجزأ من ديكور حياتهم اليومية.
وصفها الكثيرون بأكثر من هواية، بل عشق، توارثه البعض عن عائلة أو حتى صديق، إلى درجة أنه لا توجد عائلة، تقريبا، ليس بها فرد ليس له عصفوران على الأقل. ويبلغ هوس البعض إلى اقتناء العشرات. ومنهم من يقوم بجولة خلال النهار بين العمل والبيت، حاملا عصفوره معه، فيخصص له مكانا هناك، خاصة التجار؛ حيث يعلّق القفص، ثم يصطحبه مساء، مرة أخرى، إلى البيت، ليستمتع بتغريده. ومن العصافير ما يمتع صاحبه بلحن عذب، يصفه بالغناء.
وتدور أحاديث ودية أحيانا بين هؤلاء الشباب وتلك الطيور، بصفة مثيرة للدهشة، تجعل المتأمل يدرك ذلك الرابط القوي بين الكائنين. ويتبع هذا التقليدَ في تربية الطيور العاصميون بصفة مميزة، خاصة أبناء الأحياء الشعبية، الذين يبدون اهتماما كبيرا يصل إلى حد التعلق، بالطيور منذ صغر سنهم، وهي نتاج الأجواء العامة بالبيت؛ إذ يتربى هؤلاء على صورة الاهتمام التي يعطيها آباؤهم وإخوانهم الأكبر سنا منهم، ليحملوا تلك العادة أو الهواية بطريقة عفوية وسريعة.
وحسب استطلاع قاد "المساء" إلى عدد من مربي تلك الطيور، شباب طلاب جامعيين، وتجار، وحتى عاطلين عن العمل، أكدوا أن تربية الطيور فيها كثير من المنافع، وأهمها أنها تساعد في اكتساب كثير من الخصال الطيبة، وتعكس روحا جميلة، وتطور الحس بالمسؤولية. يعشقها الجزائري بصفة لا يمكن دائما فهمها، حتى إن كبار الفنانين الجزائريين غنوا عليها، كما ألقى البعض شعرا فيها. ولقد عرفت ظاهرة تربية الطيور مراحل عديدة تطورت مع الزمن، لتتحول من مجرد هواية إلى تجارة، وتخصص يمتهنه البعض إلى درجة تخصيص سوق أسبوعي خاص بتجارة الطيور بأنواعها، إلى جانب عدد من الحيوانات الأليفة الأخرى.
وأبدى كثير من الكهول الذين حدثتهم "المساء"، شغفهم الكبير بمختلف أنواع الطيور وإن كان الكناري والحسون أكثر الأنواع انتشارا، وأقلها تكلفة، هذا ما أكده فريد أحد الباعة بالعاصمة، الذي زيّن مدخل محله بأربعة أقفاص من العصافير؛ قال: "إنه في كل أربعة أو خمسة أشهر يقصد سوق بيع الطيور لاكتشاف أنواع الطيور، وحتى الألوان المعروفة منها، مشيرا إلى أن لكل طير صفاته وجماله من حسن الخالق، كما إن تغريداتها المختلفة تدغدغ الرغبة في اقتناء كل مرة زوجا جديدا".
ومن حيث التربية، يستهوي كثير ممن قابلناهم التنافس على أحسن السلالات وأنقاها، محلية أو أجنبية أو حتى الهجينة بينهما، التي يتم عرضها ليس فقط لألوانها أو حجمها، وإنما حتى صوتها، ونوع تغريداتها، وإيقاع غنائها.
وعن تعليم تغريدات العصافير الجميلة قال عبد الوهاب مربي العصافير والموهوب في تدريبها، إن ذلك يتطلب الكثير من الوقت والصبر، وكذا الخبرة. وأحسن وسيلة يعتمدها قال: "الاعتماد على العصافير الذكور كالكناري مثلا، ثم تسجيل صوت الكناري في مسجلات أو على الهواتف، ووضعها أمام العصفور منذ صغره بين الحين والآخر، مع التأكد من إبعاد الذكور عن الأناث"، مضيفا: "من المعروف أن تلك العصافير دائما تقلد ما تسمعه، وتحاول محاكاته؛ لذا نجد، أحيانا، بعض العصافير التي يهجر أصحابها تربيتهم، تقلد أصوات جرس السيارات، وإنذارات السيارات، وغيرها من الأصوات المزعجة، التي تؤدي بالعصفور إلى تكرار نفس النغمة مرارا وتكرارا بدون ملل".
ومن الطرق المستخدمة من قبل المربين، فصل الذكر عن الأنثى، يقول المتحدث؛ "لأن هذا سيحفزه على التغريد للإناث لاستمالتها؛ شرط أن لا تكون بعيدة عنه، ويمكنه سماع تغريدها لمعرفة مكانها. أما إذا وُضعا بنفس القفص فلن يغرد، ولا يجد داعيا لذلك، خصوصا خلال موسم التزاوج".
وأكد المتحدث: "لتشجيع العصفور على ذلك لا بد من مكافأته في كل مرة؛ بتقديم له طعام يحبه. كما إن توفير الظروف المناسبة والمريحة للطائر هو ما سيدفعه للغناء كنوع من التعبير عن الفرح؛ وذلك بتنظيف مكانه باستمرار، وتغيير له الجو بين الإضاءة والظلام وفق حاجته بين الليل والنهار، وتوفير الأكل والشرب الذي يحبه ويسمح بالمحافظة على صحته"، موضحا أن العصفور قد يصاب بالاكتئاب، فإذا شعر بذلك يتوقف عن التغريد، ويحرم صاحبه من عذب صوته.