فيما ارتبط بقاء الظاهرة بالتنشئة الاجتماعية

تراجعٌ في حالات العنف ضد المرأة بالبليدة

تراجعٌ في حالات العنف ضد المرأة بالبليدة
  • 269
رشيدة بلال رشيدة بلال

اختارت مديرية النشاط الاجتماعي لولاية البليدة، هذه السنة تزامنا والاحتفال باليوم العالمي لمناهضة العنف ضد المرأة، أن تجمع النساء في جلسة جماعية بحضور مختصين في علم النفس، ومرشدات دينيات، ومختصين في القانون؛ لتوعيتهنّ بالسبل التي وضعتها الدولة من أجل حمايتهن من كل أشكال العنف. وحسب السيدة غنية بن عثمان مكلفة بملف ضحايا العنف على مستوى مديرية النشاط الاجتماعي لولاية البليدة، فإن "النساء لايزلن يعانين من التعنيف بمختلف أشكاله. وأكثر الحالات المسجلة هي العنف الزوجي" ؛ الأمر الذي يتطلب، حسبها، "مزيدا من الجهد في مجال التوعية والتحسيس".

ما يبعث على الارتياح هذه السنة ـ وفق الإحصائيات المسجلة على مستوى مديرية النشاط الاجتماعي لولاية البليدة، حسب السيدة غنية بن عثمان المكلفة بملف المرأة المعنّفة، في حديثها إلـى  "المساء" على هامش اليوم التحسيسي ـ أن عدد الحالات المسجلة في مجال العنف الذي يصل إلى حد الإصابة بعاهات وعجز، عرف تراجعا مقارنة بالسنة الماضية؛ حيث تم تسجيل 15 حالة، بينما تم هذه السنة تسجيل 33 حالة من نساء معنّفات، وأخريات في وضع صعب، منهن خمس حالات ضحايا عنف أفضى إلى عاهات، و27 امرأة في وضع اجتماعي صعب، مشيرة إلى أن الملاحَظ من خلال كل الحالات المسجلة، أن العنف الأسري هو الذي يتصدر النسبة الكبيرة.

أما بالنسبة للفئة العمرية التي تتراوح بين 14 وستين سنة، وفي ما يتعلق بأنواع العنف، فهي كلها مجتمعة؛ حيث نجد الضرب، والسب والشتم، والعنف النفسي، والاقتصادي، والجنسي. ومس كل المستويات الاجتماعية، مشيرة إلى أن النسبة الكبيرة من المعنّفات، مستواهن ضعيف، ودون مؤهلات. وأكدت أن هذا لا يعني أن المثقفات والجامعيات لا يتعرضن للعنف، بل هن، أيضا، يعنَّفن بشتى الأنواع.

العادات والتقاليد تمنع المرأة من كسر هاجس العنف

وعمّا إذا كان النساء هنَّ من يقصدن مديرية النشاط الاجتماعي للتبليغ عن حالات الاعتداء، أشارت المتحدثة إلى أنه يجري استقبال النساء على مستوى مصلحة العائلة والتلاحم الاجتماعي الموجودة بمديرية النشاط الاجتماعي، في سرية تامة. ولكن الشائع والذي تجتمع فيه كل النساء، أنهن لا يقصدن المديرية من باب تقديم شكوى، وإنما يتحجّجن  بطلب الإعانة؛ مثل القفة، أو مساعدة نفسية، أو اجتماعية؛ لأن المرأة الجزائرية لا تشتكي من حالات العنف؛ بسبب العادات والتقاليد، خاصة إن كان المعنِّف هو الزوج. وبعدما تشعر بالثقة والاطمئنان يتم التقرب منها لتروي ما تعانيه. وانطلاقا من هنا ـ تقول المتحدثة ـ "يجري التكفل بها، وإطلاعها على الآليات المتاحة لحمايتها من العنف المسلَّط عليها"، مشيرة إلى أن أغلب الحالات التي يتم استقبالها، تكون وفق البرنامج الذي يتم العمل عليه؛ للحفاظ على الأسرة أوّلا؛ من خلال فهم المشكل، ومعرفة كيفية إزالة العنف، وضمان استمرار العائلة، إلا في بعض الحالات التي يتم فيها الوصول إلى حتمية توجيه الحالة إلى الجهات القضائية.

من جهة أخرى، أشارت المتحدثة إلى أن أهم ما يعمل عليه المكتب عندما تقصده المرأة  المعنَّفة، هو المرافقة؛ لمساعدتها على اختيار الحل الأنسب لتضع حدا للعنف. وأوضحت أن ما تعانيه المرأة المعنّفة هو ارتباطها بالعادات والتقاليد، التي جعلتها عاجزة أمام حالات العنف، عن اتخاذ بعض القرارات رغم وعيها بأن مثل هذه القرارات كفيلة بأن تنقذها من حالة العنف.

وحسب المتحدثة، فإن المختصين على مستوى المكتب، يحاولون، حسب الحالة المعروضة، البحث عن الحلول التي تجعل مصلحة المرأة في المقام الأول، لافتة في السياق، إلى أن الحديث في أغلب الأحيان، يتم في اليوم العالمي للعنف ضد المرأة، مستطردة: "لا يعني أن الرجل لا يعنَّف؛ حيث نستقبل على مستوى مصلحة العائلة والتلاحم الاجتماعي، رجالا تعرضوا للعنف من قبل الزوجة أو الأبناء"، مضيفة: "هذه الحالات يتم تصنيفها في خانة الحالات الصعبة التي تأتي إلينا، بعدما يتم إخراجهم من منازلهم؛ لوضعهم في مراكز الشيخوخة المسعفة. وتُعد، أيضا، حالات عنف مسكوت عنها".

و " العنف ظاهرة عالمية، متواجدة في كل دول العالم، وعلى مستوى الجزائر. وحسب المتحدثة، فإن "السبب الحقيقي للعنف لم يحدَّد بعد. فإذا قلنا بأنه الفقر، فنجد في بعض الحالات، رغم أن الجانب المادي لا يطرح إشكالا، غير أن العنف موجود. وإذا قلنا المستوى الثقافي هو السبب، فنجد أن الفئة المثقّفة تمارس، هي الأخرى، العنف" ؛ وبالتالي ـ  تختم المكلفة بملف العنف السيدة بن عثمان ـ إشكاليةُ العنف مرجعها التنشئة الاجتماعية، التي تشوّهت! وتحتاج إلى إعادة النظر فيها انطلاقا من المؤسسة الأولى، وهي الأسرة.

نماذج ناجحة عرفت كيف ترفض العنف

شهد اليوم التحسيسي عرض حالة سيدة تمكنت من رفض حالة العنف، والخروج منها؛ لتتحول إلى امرأة مستثمرة ناجحة في صناعة الأجبان الطبيعية.

وأوضحت السيدة نجاة جغبوب أن "العنف موجود في حياتنا اليومية؛ ليس في المنزل فقط أو من الزوج أو الأبناء أو الأولياء، ولكن، أيضا، في الشارع، وفي أماكن العمل، وفي كل مكان" .

والمطلوب، حسبها، "عدم تقبُّله، والبحث عن الآليات التي تساعد المرأة على الاستثمار في نقاط قوّتها، وعدم الخضوع؛ لأن كل امرأة يمكنها أن تكون ناجحة، يكفي، فقط، أن تبحث في نفسها عما يمكنها القيام به"، مشيرة إلى أنها تحولت من مجرد امرأة معنّفة، إلى مستثمرة، ومدربة في صناعة الأجبان الطبيعية، تجوب كل ولايات الوطن لتعليم حرفة صناعة الأجبان. وتعمل، اليوم، على نقل تجربتها إلى كل امرأة لا تعرف كيف تكسر هاجس الخوف، والشعور بالخوف والتعنيف.

خوف المرأة من الجنس الآخر مرجعه التنشئة الخاطئة

أوضحت المرشدة الدينية جميلة نكاس أثناء تدخّلها، أن المرأة تبحث دائما عن الأمان؛ لأنها تشعر بالخوف؛ حيث نجدها دائما تعيش حالة من الاطمئنان للطرف الآخر؛ سواء في المنزل أو خارج المنزل، مشيرة إلى أن العنف الجسدي حتى وإن كان خطيرا، فإن العنف النفسي لديه آثار أعمق، مرجعةً حالة الخوف التي تعانيها المرأة دائما من الجنس الآخر حتى وإن كانت معاملته حسنة، إلى التنشئة الاجتماعية الخاطئة، ومؤكدة وجود فتيات اعتزلن الزواج خوفا من الجنس الآخر؛ لأنه سلّط عليها أو على  محيطها الأسري، نوعا من العنف، أو كانت ترى والدها يضرب والدتها.

وقالت: "ما نعمل عليه هو تعليم الفتاة في سن صغيرة، كيفية بناء شخصية قوية واثقة من نفسها، تعرف كيف تتعامل مع الطرف الآخر" ؛ وهذا لا يتحقق، حسبها، إلا بالعودة إلى  أصول التربية المستمَدة من الشريعة الإسلامية، وكذا إطلاعها على بعض المفاهيم التي  تعلّمها كيف تتصرف بحكمة عند مواجهة بعض المواقف التي تتطلب منها أن تكون واعية؛ حتى لا تكون هي المسؤولة عن حالة العنف المسلَّط عليها.

تمكين المرأة يعزّز استقلاليتها ويمنع استغلالها

من جهتها، كشفت السيدة حراز فتيحة، رئيسة جمعية عزة المرأة بولاية البليدة، عن تجربتها  التي انطلقت منذ 2001، في كيفية التعامل مع النساء المعنّفات؛ حيث قالت في معرض حديثها: "نحاول من خلال برامجنا، تعليم النساء بعض الحرف والأنشطة التي تمكنها من تأمين استقلاليتها. ونعمل على توعيتها، وتثقيفها، وحمايتها من كل أشكال الاستغلال  والعنف"، مشيرة إلى أن الجمعية تستقبل عددا من النساء المعنّفات داخل الأسرة، ومعنفات في مناصب العمل، ومعنفات من الشارع. كل هذه الحالات يجري التكفل بهن؛ من خلال إطلاعهن على الحلول التي تساعدهن على رفض حالات العنف، مؤكدة أن الجمعية تقترح حلولا تتناسب مع كل حالة حسب ظروفها؛ بالاعتماد على مختصين في علم النفس، ومختصين في الدين، وقانونيّين، مع احترام خصوصية المجتمع الجزائري، الذي لاتزال فيه بعض العادات تُبقي المرأة رهينة حالة العنف.