تقليد تعتمده الأسر خلال فصل الحر
تخزين المخلّلات والخضر الصيفية لمواجهة ندرة الشتاء

- 314

تنشط ربات البيوت في مختلف أنحاء الجزائر مع اقتراب نهاية فصل الصيف ووفرة الخضروات الموسمية، في الأسواق، في ممارسة تقليد عريق ومتجذر في الذاكرة الشعبية، متمثل في تحضير المخللات، وتخزين المؤونة الطبيعية لفصل الشتاء. فبالرغم من تطور نمط الحياة وانتشار الأطعمة الجاهزة والمجمدة، ماتزال هذه العادة تلقى رواجا متزايدا في ظل تنامي الوعي الصحي، وانتشار المسؤولية تجاه صحتنا من خلال التقليل من استهلاك المنتجات غير الطبيعية، واستبدالها بأطعمة مجهزة في البيت ألذَّ، وأكثر صحةً.
ويتجدد هذا السلوك الذي تعتمده النسوة خلال هذه الأيام، خاصة في الأحياء الشعبية والمناطق الريفية. طقوس قديمة متجددة عنوانها التحضير لفصل الشتاء من مطبخ الصيف؛ إذ تبدأ النساء في إعداد كميات وفيرة من المخللات والمصبرات؛ فلفل، طماطم، فلفل حار، فاصولياء، كرمب، وغيرها، الى جانب تجفيف البعض منها، وتخزين أخرى بطرق تقليدية تُعد أكثر صحة واستدامة من المعلبات والمنتجات المجمدة المصنّعة.
وأصبحت المخللات المحضّرة في المنازل إلى جانب وصفات تجفيف الخضر والفواكه، بدائل طبيعية وآمنة للمعلبات التجارية، وهو ما تعكسه مئات الوصفات التي تتداولها النساء عبر مواقع التواصل الاجتماعي؛ في مشهد يجمع بين الأصالة وروح العصر لتشجيع النسوة على تبنّي تلك السلوكات في المطبخ، والتي من شأنها ضمان استهلاك منتج صحي من جهة، وتوفير الكثير من جهة أخرى، خصوصا أن بعض تلك الخضار تتضاعف أسعارها بعد انتهاء موسمها.
وفي هذا الصدد حدثتنا آسيا بن منصور، مختصة في الطبخ التقليدي وصاحبة قناة طبخ على صفحة اليوتيوب، قائلة: " إن فصل الصيف هو موسم الوفرة، حيث تنضج الخضروات في ذروتها وتعرَض بأسعار مناسبة، ما يجعل الوقت مثاليا للقيام بعمليات التخزين الطبيعي، واقتناء أصناف كثيرة منها لتخزينها لموسم الندرة"، مضيفة أن هذه العادة ليست مجرد تقليد منزلي، بل حكمة غذائية متوارَثة من أم عن جدة. وأكدت المتحدثة أن هذا التقليد ينتشر أكثر خلال السنوات الأخيرة؛ إذ اختفى لفترة بعدما اعتمدت النسوة لسنوات طويلة، على المعلبات والمصبرات الصناعية بعد انفجار الثورة الصناعية، التي أدخلت تلك المفاهيم الجديدة إلى مطبخنا، ولم تكن حينها دراسات تثبت خطورتها على الصحة، ليتم التخلي عنها تدريجيا بعد انتشار وعي صحي، من شأنه تأكيد خطورة المواد الحافظة التي تحتويها تلك المنتجات الى جانب طرق تحويلها وتخزينها التي لا تتوافق مع المعايير الصحية، ما جعل، اليوم، الاعتماد على التصبير والتخليل والتخزين الطبيعي، عادة، تشهد هذه الأيام انتعاشا لافتا من جديد.
وأضافت أن تحضير المخللات في الصيف ليس، فقط، لتوفير مؤونة الشتاء، بل هو، كذلك، فرصة لإعادة ربط الأسرة بتراثها الغذائي. فاليوم نرى الكثير من السيدات، حتى من الجيل الجديد، يشاركن وصفاتهن على مواقع التواصل، وهذا أمر جميل؛ لأنه يحيي تقاليد كادت تندثر.
وقالت: " هناك وصفات متنوعة من مخلل اللفت، والجزر، والخيار، والفلفل، وحتى الزيتون الذي يحضَّر في أواخر الصيف. وكلها تُحفظ بطريقة طبيعية باستعمال الملح والخل فقط دون مواد كيميائية. البعض يضيف الأعشاب مثل الزعتر وحبوب الكزبرة؛ لإعطاء نكهة مميزة" .
اللافت في هذه العودة إلى الممارسات التقليدية، تقول آسيا، هو الاستفادة من التكنولوجيا الحديثة، حيث صار كثير من النساء يتعلمن طرق التخليل والتجفيف عبر فيديوهات، ومنصات كـ "تيك توك" و"إنستغرام"، ما ساهم في تبسيط العملية، وتبادل الوصفات بين مناطق مختلفة.
وإلى جانب المخللات، تبرز، أيضا، عادة تجفيف الطماطم والفلفل الأحمر، تحت أشعة الشمس، وتحضير معجون الطماطم المنزلي المعروف محليا بـ "الطماطم المصبرة"، أو حتى معجون الفلفل، الذي يتم تخزينه في أوعية زجاجية، ليُستخدم لاحقا في الشوربات والصلصات والمعكرونة، وغيرها من الوصفات من المرق الأحمر، تقول محدثتنا، مضيفة: " كما لا تغيب عن هذه المائدة الاستعدادية، وصفات مثل الفلفل المشوي المحفوظ في زيت الزيتون، و"العولة" القسنطينية، و"الدقة" التلمسانية، وهي أنواع من التحضيرات المركزة للبهارات والخضار، تُستخدم كإضافات لرفع نكهة الأطباق الشتوية ".
ورغم أن هذه التقاليد قد تراجعت لفترة بسبب نمط الحياة السريع وانتشار الأطعمة الجاهزة، إلا أنها تشهد، اليوم، عودة قوية، مدفوعة برغبة النساء في تقديم طعام صحي لأسرهن، والعودة إلى الجذور.