المساجد العتيقة بباتنة

تحف أثرية بحاجة إلى تثمين

تحف أثرية بحاجة إلى تثمين
  • القراءات: 1170
سميرة عوام سميرة عوام

على الرغم من أن بعضها مغلق أمام الزوار لسبب أو لآخر، تبقى المساجد العتيقة بالعديد من المناطق بباتنة، تحفا أثرية، تفوح بعبق التاريخ، ومنارات كانت تشع بالعلم والمعارف، وما زالت إلى اليوم تحتفظ بجاذبيتها رغم حاجتها الماسة إلى التثمين ورد الاعتبار. فهي إلى جانب طابعها العمراني المميز المستمد من تراث الجهة الذي يعتمد على فن العمارة الطوبية والحجرية، كانت إلى زمن قريب صرحا للإشعاع الديني والفكري وكذا الإصلاح الاجتماعي، لتجمع بذلك بين أمور الدين والدنيا.

وتحصي في هذا السياق، مديرية الشؤون الدينية والأوقاف بالولاية، 6 مساجد تاريخية عتيقة بمناطق متفرقة من الولاية، حسبما أكد رئيس مكتب الشعائر الدينية والأوقاف نذير سعادة بذات المديرية. ومن أبرز هذه المعالم التي مازالت في حالة جيدة وتستقطب إليها المصلين، المسجد العتيق بقلب مدينة مدوكال الذي يعود تاريخ بنائه وفق المصدر، إلى القرن السادس الهجري؛ أي إلى عهد الولي العربي بن عمر بن حفصي؛ حيث تم تشييده من طرف العائلات التي كانت تشرف على القرى العربية المفتوحة بعد الفتح الإسلامي.

ومايزال هذا المسجد المتواجد بقصور مدوكال العتيقة التي قاومت بناياتها الطينية العوامل الطبيعية لقرون عديدة، يؤدي وظيفته الروحية والاجتماعية بعد أن تم ترميمه لعدة مرات بمبادرات محلية، لحرص سكان المدينة على المحافظة عليه وباقي معالم القصور التي تم تشييدها داخل واحة خضراء وسط الرمال. أما باقي المساجد الخمسة فقد تم الإبقاء عليها مغلقة للحفاظ عليها من التردي، وفي مقدمتها مسجد أولاد سيدي بلعباس الذي يقع بالمكان المسمى "حي دار سيدي الشيخ"، غير بعيد عن الدشرة القديمة بمنعة، والذي أسسه على بقايا آثار رومانية الشيخ محمد الأصغر بن سيدي أبو بكر في سنة 1700 ميلادي، كامتداد لزاوية بن عباس القادرية التي يعود تاريخ بنائها إلى سنة 1660 من الميلاد، بقدوم منشئها الأول المدعو سيدي بوبكر بن سيدي محمد الأكبر.

ويحتفظ المعلمان بمخطوطات قيّمة وبجمال فن العمارة المحلية رغم عمليات الترميم المتعددة التي خضعا لها. ويوجد بهما مقبرة بها 13 ضريحا، منها أضرحة لأبناء أحمد باي آخر بايات قسنطينة، الذي لجأ إلى الزاوية عام 1839 بعد عامين من سقوط المدينة؛ حيث شكّلا على مر سنوات عديدة، معلما سياحيا بامتياز، يستقطب سنويا مئات الزوار من الأوراس ومن باقي ولايات الوطن. ويتعلق الأمر أيضا بمسجد "سبع رقود" بمدينة نقاوس، الذي يعود تاريخ بنائه إلى أكثر من 4 قرون بالحجارة المصقولة التي تم استقدامها من بنايات رومانية، على اعتبار أن المدينة القديمة التي كان يطلق عليها اسم "نيسيفيبوس" كانت في الأصل مدينة رومانية أثرية، حيث مايزال المسجد الذي يعد ملكا وقفيا عتيقا، محافظا، حسب السيد نذير سعادة، على طابعه الأول، وكان مستغلا لأداء الصلوات الخمس وصلاة الجمعة إلى أن قامت اللجنة الدينية ببناء مسجد جديد بمحاذاته لتحتفظ بالقديم مغلقا كمعلم تاريخي تراثي.

كما يوجد مسجد عتيق آخر بالقرية القديمة بمدينة بوزينة أو "ثاقليعث ثاقذيمت نبوزينة"؛ أي قلعة بوزينة القديمة، وهي دشرة سياحية مبنية على تلة صخرية بنظام عمراني قديم، حيث تم تصنيف المكان موقعا تاريخيا، حسب نذير سعادة،  بناء على قرار صدر عن مصالح وزارة الثقافة، أُرخ في سنة 1968. ويعود تاريخ تشييده إلى أكثر من 3 قرون، حسبما ذكر مشايخ القرية، الذين أكدوا أنه استُغل في التدريس القرآني بالخصوص.

مسجد سيدي عيسى بتكوت بُني منذ أزيد من 6 قرون. وبمدينة تكوت التي تبعد عن باتنة بحوالي 95 كلم يوجد مسجدان عتيقان، الأول هو مسجد سيدي عيسى بقرية جارلله الذي تم تشييده منذ أزيد من 6 قرون على ضريح ولي صالح، وفق المصدر، مبينا بأن الثاني ويسمى مسجد سيدي عبد السلام، يعود لأكثر من 4 قرون، وبني أيضا على ضريح الولي الصالح سيدي عبد السلام. وذكّر نذير سعادة بمساع حثيثة تُبذل لتصنيف هذه المساجد التي توجد كلها تحت وصاية مديرية الشؤون الدينية والأوقاف وتحظى بمتابعة خاصة؛ حيث تم إعداد ملفات بشأنها،  موضحا أن أغلبها يقع بمناطق تعد استراتيجية وذات مناظر خلابة، مما يضفي عليها أيضا طابعا سياحيا بامتياز.

بدوره، أكد مدير الثقافة بالولاية عمر كبور، أن قائمة تضم عددا من مساجد الولاية العتيقة ذات القيمة التاريخية والروحية، أُرسلت إلى وزارة الثقافة والفنون لاقتراح تصنيفها بناء على قرار رئيس الجمهورية السيد عبد المجيد تبون، القاضي بترميم ورد الاعتبار للمساجد العتيقة. وتتضمن هذه القائمة التي مازالت مفتوحة، يضيف المتحدث، المسجد العتيق وجامع سيدي محمد الحاج الذي كان يشكل مكان تجمع وانطلاق الحجاج إلى بيت الله الحرام، وكلاهما بقصور مدوكال العتيقة، ومسجد سبع رقود بنقاوس، وكذا مسجد سيدي عبد السلام بتكوت، ومسجد القرية المهجورة بغوفي ببلدية غسيرة.

وتتجلى أهمية تصنيف هذه المعالم وترميم التي تدهورت وضعيتها منها من عوامل الزمن، يضيف المصدر، في المحافظة على التراث التاريخي وحمايته؛ على اعتبار أن هذه المساجد جزء من الذاكرة والموروث المادي واللامادي للجهة؛ فهي معالم روحية دينية في رسالتها، وثقافية تراثية وتاريخية من حيث قيمتها المعمارية، وذلك ما يؤهلها لتكون عنصر ترويج هام للوجهة السياحية للمنطقة وما تزخر به من كنوز.