شركات التوصيل في الجزائر والتجارة الإلكترونية

تحديات الميدان في قلب التحول الرقمي

تحديات الميدان في قلب التحول الرقمي
  • 180
نور الهدى بوطيبة     نور الهدى بوطيبة

شهد قطاع البريد والتوصيل في الجزائر، خلال السنوات الأخيرة، خاصة بعد وباء "كورونا"، تحركا ملحوظا، لا سيما مع ارتفاع مستوى المعاملات التجارية الإلكترونية، التي لم ترق بعد إلى المفهوم الاقتصادي الحقيقي لها، إلا أن انتشارها أصبح بارزا بفضل بعض الصفحات والمنصات الإلكترونية التي تعرض سلعا ومنتجات للبيع مع توفير خدمة التوصيل، عادة إلـى 58 ولاية.

ونظرا الى الحاجة لخدمات توصيل سريعة وموثوقة، ظهر بجانب البريد العمومي EMS، العديد من مؤسسات البريد والتوصيل، التي تعمل بوتيرة كبيرة، دفعت بالبعض منها الى إنشاء فروع لها عبر مختلف الولايات؛ من أجل تلبية جميع الطلبيات، وتحقيق أمل المستهلك في وصول طرده في فترة قياسية. ووفق تقرير خبراء اقتصاديين جزائريين، فقد تجاوز حجم السوق الإلكتروني في الجزائر خلال سنة 2024، قيمة 1.5 مليار دولار، بنمو سنوي يقدر بـ 25%، وهو ما يؤكد حجم تلك المبادلات الإلكترونية رغم احتشام السوق الإلكتروني في الجزائر.

وبما أن التجارة الإلكترونية تؤثر بشكل مباشر على قطاع التوصيل، نشأت في ظرف زمني قصير في الجزائر، العديد من المؤسسات الكبيرة، المتوسطة وحتى الصغيرة الخاصة بالبريد والتوصيل، بعدما كانت في زمن مضى، مؤسسة واحدة فقط تطغى على السوق العالمي، تتخصص في توصيل البريد والطرود عبر العالم. وتتعامل بصفة مباشرة، مع مؤسسة البريد الجزائري، التي لم يكن يستفيد من خدماتها إلا قلة قليلة للتواصل مع أقاربهم في دول أجنبية؛ من أجل إيصال الطرود والبريد، لتتحول تلك المفاهيم في السنوات الأخيرة، الى تقاليد استهلاكية منتشرة جدا بين الكبير والصغير، والرجل والمرأة. 

وطغى التسوق عبر الأنترنت على تفكير الكثيرين، لا سيما خلال الأزمة الصحية العالمية لوباء "كورونا" التي أدت الى "احتجاز" الجميع في بيوتهم لفترات طويلة، خلقوا بذلك بديلا للتسوق؛ من خلال التبضع عبر الأنترنت، والبحث عن وسيلة للدفع، كان حينها الدفع عند التسليم، أو من خلال ما استحدث فيما بعد بالجزائر تطبيق "بريدي موب"، لتتم تلك العمليات بكل سلاسة، يدخل فيها ثلاثة أطراف؛ البائع، والمستهلك، وشركة التوصيل.

وحول هذا الموضوع حدثنا سيد علي فرحات، أستاذ اقتصاد ومختص في التجارة الإلكترونية قائلا: " إن في أروقة الشركات الناشئة للبريد والتوصيل، يتصارع اللاعبون الرئيسيون على لقب الأسرع والأكثر ثقة، مثل EMS العمومية التي تتمتع بتغطية رسمية، إلى Yalidine الخاصة، التي تعِد باتصالات كثيفة وتكنولوجيا متابعة الطرود، إلى ZR Express التي واجهت ثناء واسعا من المشترين بسبب سرعة التسليم، وأسعارها المقبولة"، موضحا أن لكل تلك الشركات والكثير منها كذلك، حصته من السوق.

ويشتد الإقبال عليه بفضل ما قدم للزبون، وما يحقق من توليفة مثالية بين التوصيل السريع من جهة، والحفاظ على سلامة الطرود، وكذا تكاليف الخدمات من جهة أخرى. وأضاف المختص الاقتصادي أن في الوقت الذي يثبت الكثير من التجار ولاءهم في التعامل مع بعض الشركات الكبيرة والمشهورة، يتجه آخرون نحو مؤسسات أقل حجما، وأقل شهرة. والهدف بلوغ الطرد صاحبه، ودفع أقل مقابل الخدمة.

تجارة إلكترونية تزدهر لكن ببطء..

أوضح الخبير الاقتصادي أن الجزائر لاتزال بعيدة كل البعد عن المعنى الحقيقي للتجارة الإلكترونية، والتي لا بد أن يؤطرها نظام اقتصادي جيد لمنع كل تجاوزات قد يقع المستهلك أو حتى التاجر ضحية نصب أو احتيال، لاسيما أن 95 ٪ من حجم المبادلات، تتم عن طريق الدفع نقدا، وهذا لا يجعلها تجارة إلكترونية، وإنما تم الاستعانة بالأنترنت فقط للترويج للمنتج، واختياره من طرف الزبون لا أقل ولا أكثر، في حين باقي المعاملات تتم عبر الحسابات البنكية أو عبر الحسابات البريدية، أو عن طريق تطبيق "بريدي موب" لأصحاب البطاقات الذهبية لـ"بريد الجزائر"، وهذا كله يضاعف العبء على مزودي اللوجستيك ومنظمي هذه التجارة، ويسبب ضغوطا كبيرة على قطاع التوصيل.

وأضاف المتحدث أنّ "هناك سببا ثانيا يجعلنا نبتعد كل البعد عن التجارة الإلكترونية بمعناها الواسع، وهي شساعة مساحة الجزائر، وصعوبة بلوغ بعض الطرود أصحابها المتواجدين في مناطق نائية. وأحيانا قد يتطلب الأمر عشر أو 15 يوما ليصل الطرد أو البريد، وهذا بسبب ضعف لوجستيك تلك الشركات الخاصة في التوصيل، وضعف تغطية الأنترنت في تلك المناطق"، موضحا أن تطوير الدفع الإلكتروني والتغطية المستقرة في المناطق النائية، وتطبيق معايير الجودة، كلها عوامل أساسية لجعل التجارة الإلكترونية في الجزائر ركيزة اقتصادية حقيقية، وليست ترفا استهلاكيا، وتوسيع المفهوم المنطقي للتبضع من البيت.

من جهة أخرى، قال رابح بوعزيزي خبير اقتصادي لـ"المساء" ، إن الجزائر لها فرصة كبيرة في تطوير التجارة الإلكترونية خلال هذه الفترة، لا سيما مع بلوغ ثقافة الجزائريين مستويات جيدة في التفتح على تلك التجارة، مشيرا الى أن ذلك التطوير مرتبط أساسا، بعوامل رئيسية محددة، وهي "الدفع الإلكتروني.. الثقة ...النوعية.. وجودة التوصيل، وتحقيق توازن بين ذلك"، ما يحقق نجاح تلك التجارة، وأن جودة التوصيل مرتبطة بفعالية عمل مؤسسات التوصيل، التي تبرز اليوم كالفطر، متسائلا في نفس السياق، عن مدى فعاليتها في أرض الواقع.

وأضاف المحدث: " في وقت تسابق التجارة الإلكترونية في الجزائر لتثبيت أقدامها، تُعد خدمات التوصيل الحلقة المفصلية في هذه المعادلة، وبين القطاع العمومي ممثلا في مؤسسة البريد السريع "EMS" والمنافسين الخواص كـ " ياليدين " ، و "زد ار اكسبرس"، و"كويوت"، و " أميران إكسبرس"، و " نورواست إكسبرس"، و "مايسترو ديليفري"، و " نوميلوغ " التابعة لشركة " سوفيتال "، وغيرها من المنافسين، تشهد السوق تزاحما محموما تغذيه حاجة التجار والمستهلكين إلى سرعة التسليم، وضمان الوصول كعمل تتكرر تحدياته يوميا دون توقف، تقريبا جميعها تعد بتقديم خدمات لوجستية شاملة، تشمل توصيل الطلبات، والشحن البري، في حين يضمن آخرون الشحن البحري والجوي. كما تمنح جميعها خدمة تتبّع الشحنات داخليا أو دوليا، مركزة على الجودة والمواعيد..

شركات التوصيل الخاصة.. عمالقة سوق أم فقاعات مؤقتة؟

من جهة أخرى، قال الخبير اللوجستي "س.ع"، مدير تجاري لدى إحدى الشركات الخاصة الرائدة في التوصيل في الجزائر، إن الخدمات اللوجستية تعد أحد العوامل الحاسمة لنجاح التجارة الإلكترونية كسرعة التسليم، والدفع عند التسليم، ونظام التتبع الفعال، وكلها ترفع من ثقة المستخدمين، وتجذب مزيدا من المستهلكين، مؤكدا أنه لاتزال هناك العديد من التحديات التي تواجهها تلك المؤسسات الخاصة في التوصيل، وهي غياب البنية التحتية المترابطة، والتغطية الرقمية في المدن البعيدة والمناطق النائية، ما يمثل عائقا كبيرا أمام سرعة التوصيل رغم جاهزية تلك الشركات في العمل الواسع.

وأشار المتحدث الى أن شركته تحاول في كل مرة الاستجابة للحداثة من خلال تكوينات خاصة، لمواكبة التطور الإلكتروني. وتم خلالها تفعيل منصات خاصة وتطبيقات لتسهيل عمل اللوجستيك، من خلال الاعتماد على تقنيات من" شاتبوت"، للتواصل مع المستخدمين، وتتبّع البريد، وكذا منح تقنيات الدفع عبر "بريدي موب" أو "بريدي بوست"، لتحسين وتسهيل المعاملة مع الشركاء والزبائن. وكل هذا يسهل العمل، ويخفض نسبة الخطأ في تسليم الطرود الى حد كبير، الى جانب تخفيض تكاليف الشحن والتوصيل.

وأكد محدث "المساء" أن تلك الشركات تساهم في الاقتصاد بشكل كبير، فمن جهة تساعد في تطوير التجارة الإلكترونية، وتساعد من جهة أخرى، في امتصاص البطالة، باعتبارها تعرض العديد من مناصب العمل، المتمثلة أساسا في السائقين، ومختصين في اللوجستيك، وموزعين، ومديري مخازن..

وأكد  المتحدث، أيضا، أن جميع الشركات الخاصة والمتخصصة في عمليات التوصيل أمام تحديات كبيرة، خصوصا إزاء المنافسة الشرسة التي تشهدها السوق، فإما تثبت أمام تلك التحديات من خلال فرض نفسها، ويكون ذلك عن طريق العمل الفعال، وكسب ثقة الزبائن، أو تنتهي بها كالفقاعة التي تكبر، ثم تنفجر، وكأنها لم تكن أبدا، والتوصيل السريع، والتكاليف الجيدة، هي شعارات كل شركة توصيل، لكن تبقى تحديات السوق أكثر "شراسة" مما تبدو عليه، على عكس، مثلا، المؤسسات العمومية التي لها مردود آخر، ويمكنها أن تصمد أمام تلك التحديات الكبيرة.

ونبّه المتحدث الى أنه بالرغم من شهرة بعض الشركات مقارنة بأخرى، إلا أنه في الوقت نفسه، تبرز شركات أخرى قد تكون بنفس الفعالية أو أحسن، وأكثر تنظيما، ما يجعلها تحطم شهرة الشركات الرائدة، فتلك الشركات لا بد أن تعتمد على شبكات توزيع ذكية، وتطبيقات محمولة، ومرونة أكبر في التعامل، حتى تكون خيارا جيدا أمام المتعاملين الاقتصاديين والمستهلكين.

منافسة أجنبية.. شركات عالمية تخوض المعركة

التنافس في السوق الجزائرية لا يقتصر على الشركات المحلية فقط، أو بين العمومية والخاصة، بل شركات دولية وعمالقة البيع والتوصيل، شركات دولية مثل "أمازون" و"علي إكسبرس" وحتى "تيمو"، "وشي ان"، والتي بدأت بإقامة فروع توصيل جزائرية لتوسيع نطاق عملها، لم تمنعها الحدود، أو البعد الجغرافي من مقراتها الرئيسية، في الصين خاصة، بل كبرها جعلها تتحدى كل تلك الحدود لتبلغ زبائن في مختلف دول العالم، أخذت بذلك حصتها من السوق الجزائرية، وأن دخول تلك الشركات العالمية إلى السوق الجزائرية قد يزيد من وتيرة المنافسة، ويشجع الشركات المحلية على تحسين خدماتها لتلبية المعايير العالمية، وكل هذا يُعد محركا اقتصاديا لعدة شركات محلية، تسعى لتوسيع نطاق أعمالها.

مؤسسات توصيل ناشئة تبرز في الأفق

وبعيدا عن تلك الطرود الكبيرة أو حتى الطرود العابرة للولايات أو الدول، برزت خلال السنوات الأخيرة مؤسسات بسيطة جدا، أو أعمال خاصة بأشخاص استثمروا في المجال بوسائل بسيطة؛ دراجة نارية صغيرة تكفي لتلبية بعض الطلبات، إذ يعد ذلك من الحلول الواعدة لهؤلاء الشباب، حسبما أكد البعض ممن حدثت إليهم "المساء"، أغلبهم من الشباب الذين أبرزوا أن عملهم كان ثمرة الطلب المتزايد على التوصيل مع تزايد حركة التسوق عبر الأنترنت، وطلب التسوق من محلات بيع المواد الغذائية، أو مستحضرات التجميل، أو المطاعم ومطاعم الأكل السريع، إذ تُعد تلك الخدمات خيارات مرنة للمستهلكين المستعجلين، أو الذين يبحثون عن تسليم فوري؛ كالأكل وغيره من المواد الاستهلاكية، وأعمال حرة، أو شراكات بين شباب ومحلات تجارية، خاصة أن تلك الوسائل البسيطة، تمنح سرعة لبلوغ الزبون، إذ لها مرونة تجاوز الازدحام حتى في فترات الذروة. كما إن فعالية هؤلاء الشباب في التحكم في تطبيقات التوصيل ساعدتهم في امتهان الحرفة بكل أريحية. والبروز فيها يساعدهم في توفير عوائد مالية جيدة خلال اليوم الواحد.