‘’العولة” ثقافة الجدات

تأمين القوت في أيام الشدة

تأمين القوت في أيام الشدة
‘’العولة” ثقافة الجدات
  • القراءات: 2101
❊ نور الهدى بوطيبة ❊ نور الهدى بوطيبة

تعد ثقافة العولة من تقاليد الأجداد التي توارثتها بعض العائلات، بهدف التصدي للأحوال المتقلبة في فصل الشتاء، وهي عبارة عن تخزين كمية كافية من الطعام، تحسبا للندرة التي قد تواجهها الأسرة في فصل البرد، وتعذّر الخروج من البيت لاقتناء الطعام، إلا أن عائلات أخرى تخلت عن هذه الفكرة، بحجة وفرة المواد الغذائية في المحلات بصفة دائمة، فلا خوف من تقلبات الجو.

تعد ثقافة العولة أو ما يعرف بتخزين المؤونة، من الثقافات العالمية التي وجدت بوجود الإنسان، والدليل على ذلك غرف المؤونة التي خصصتها الحضارات السابقة، والتي لا تزال بعض آثارها قائمة في العديد من المعالم الأثرية التاريخية بمختلف دول العالم، تحسبا للعواصف، الحروب، المجاعة أو الأزمات الاقتصادية في تلك الحقبات، وليس هناك من تلك الحضارات التي فوّتت ثقافة تخزين أطعمة لا تتلف بسهولة، تختلف باختلاف الحضارة من دولة لأخرى.

كان هذا التقليد يرتبط تحضيره بفصل الصيف، من خلال إعداد وتحضير الذخيرة في موسم الحر استعدادا لفصل الشتاء، حيث كانت بعض الأطعمة تحضّر يدويا لتحويلها إلى مادة لا تتلف بسهولة، كالعجائن، الأجبان، بعض المشروبات، الزبدة، الحبوب الجافة، اللحوم المقددة وغيرها، في غرف تتميز برطوبة عالية، كان لها نفس خاصيات الثلاجة حاليا.

هذا التقليد الذي دأبت عليه الحضارات قديما، أصبح عادة موسمية تحرص عليها ربات البيوت لتعمير غرفة المؤونة حاليا، والجزائر من الدول التي حافظت على تلك الثقافة القديمة، بالنظر إلى تاريخها الحافل بالمحطات الهامة التي دفعتها إلى التفكير في الطريقة المثالية للتصدي للندرة مهما كان سببها.

عن هذا الموضوع، كان لـ«المساء، جولة استطلاعية وسط عدد من العائلات لمعرفة مدى حفاظهم على هذا التقليد، وفي البداية كان لنا حديث مع صورية (ربة بيت 35 سنة) التي أشارت إلى أن هذا التقليد لا يدخل في ثقافتها مطلقا، نظرا للوفرة التي تشهدها الأسواق، لاسيما أنها تعيش في حي تتزاحم فيه المحلات الخاصة في بيع المواد الغذائية العامة، وعليه ليس هناك مشكل ندرة.

من جانبها، أوضحت حورية (55 سنة) أن غلاء المعيشة من الأسباب التي قضت نسبيا على هذا التقليد، فالذهاب إلى السوق لاقتناء حاجيات الأسبوع الواحد فقط تكلف رب العائلة الكثير، فما بالك بمؤونة شهرين أو ثلاثة أو أكثر من ذلك، فارتفاع سعر الحبوب الجافة تجعل أرباب الأسرة يقتنون الحاجيات الحاضرة فقط، ولا يفكرون في المستقبل القريب، وهو ما جعل بعض الأسر تتخلى عن هذا التقليد.

على صعيد آخر، أوضحت الحاجة باتول أن ثقافة تخزين الأطعمة حكيمة، ولا زالت العديد من الأسر في المناطق الداخلية، والتي تعيش تقلبات جوية مستمرة، كتساقط الثلوج وانسداد الطرق، تفكّر فيها وتحافظ على هذا التقليد، الذي تحضر له تدريجيا في الفصول الدافئة والحارة، باقتناء في كل مرة، مستلزمات البيت من طعام وأشياء أخرى لا تقل أهمية، على غرار الشموع، أعواد الثقاب، الصابون، ماء الجافيل، قارورة الغاز، وغيرها، تحسبا للشدائد والأيام العصيبة.

أضافت المتحدثة أن الكثير من النساء اليوم، لاسيما المتقدمات في السن، يحاولن نقل هذه العادة لبناتهن نظرا لأهميتها في مجابهة الندرة، مما جعل فتيات تزوجن حديثا، يتبنين العادة ويمارسنها حتى وإن كانت بصفة أقل مقارنة بأيام زمان. كما أشارت إلى أن هذه الوسيلة تساعدها على الحفاظ على ماء وجهها في حال قدوم ضيوف غير متوقعين، الأمر الذي يساعدها على إيجاد ما تحضره. ومن أكثر المواد التي تخزّنها الحاجة بتول عادة؛ المواد التي لا تتلف بسهولة، على غرار الدقيق، السكر، الحبوب الجافة، العجائن بأنواعها، الأرز، الزيت، الكسكسي، التمر، الثوم، التوابل وغيرها، وقد تختلف من ولاية لأخرى ومن منطقة لأخرى، حسب حاجيات كل عائلة، وحسبما تمده البيئة المحيطة أيضا، حيث يتم حفظ بعضها في الثلاجة وأخرى تخصص لها خزانة بعيدا عن الضوء وتكون شديدة الرطوبة. قالت المتحدثة، إن البيت الذي يحوز على عولة في خزانة مطبخه أو في غرفة مخصصة لذلك، تجده يتميّز بنكهة وعطر مميز، والأمر راجع إلى تفاعل تلك المواد وتصاعد رائحة طيبة منها، على غرار التوابل وبعض الفواكه الجافة، مما يؤدي إلى انبعاث رائحة من عبق بيوت زمان. مضيفة أن العولة تقليد موسمي أوجده الإنسان لحفظ المواد الغذائية والاستفادة منها على مدار العام، وتأمين القوت ودرء خطر الجوع والفاقة. كما أنها ذات بعد ادخاري واقتصادي، حيث تساهم في ضبط ميزانية العائلة وتوفير الكثير من المصاريف، لاسيما أن بعض المواد الغذائية تشهد ارتفاعا في سعرها عند دخول موسم البرد لسبب أو لآخر.