الأعراس في منطقة الأوراس

بين مقتضيات التجديد ومتطلبات التقاليد

بين مقتضيات التجديد ومتطلبات التقاليد
  • 808
عبد السلام بزاعي عبد السلام بزاعي

تقيم العائلات الأوراسية أعراس الزواج والختان في أجواء تطبعها الفرحة، تعكسها التحضيرات التي تلازم المناسبة قبل أسبوع من الحدث، وإن كانت هذه ميزة العائلات العامة، إلا أن الحداثة بالمدن الكبرى أتت على القسط الكبير من الطقوس، التي تلاشت ولا يمكن الشعور بها، سوى في عيون الشيوخ والعجائز الذين لا يزالون متمسكين بها، رغم التطور الذي عرفته المدينة والتجمعات السكانية الكبرى. 

بعد اختيار الشريك، تشرع العائلة في تنظيم مراسيم الخطوبة، التي وبعد موافقة الأهل، تعتبر أساسية، تقوم أم العريس بزيارة أهل العروس لضبط موعد الزيارة من أجل طلب يد الفتاة،  ففيها تناقش مع عائلة العريس المهر والهدايا التي سيقدمها العريس لزوجته المستقبلية. ويتم الاتفاق بين العائلتين حول الشورة، التي يقوم فيها العريسان بالتجهيز لزفافهما.

صينية "القشقشة"  تعتلي "شاش" العروس

جرت العادة أن يتوجه أهل العروس إلى بيت العريس، لتحضير صينية "القشقشة"، وهي مجموعة من أنواع الحلوى، المتوفرة بسوق الرحبة، وسط باتنة، تتكون من الجوز، اللوز، الفول السوداني، يوضع فوق رأس العروس "شاش"، وتتولى ممثلة عن أهل العريس وضع الصينية فوق "شاش" العروس، فتسقط منها بعض حبات الحلوى بصفة متعمدة، تفاؤلا بأن ترزق العروس بذرية.

ففي الطرق التقليدية، لإقامة الأعراس، تكون "الملحفة" سيدة الموقف، وهي قطعة في اللباس الشاوي، مصنوعة من القطن الملون بالأسود والأبيض، ترتديه المرأة فوق الملابس الداخلية، وما يزيد "الملحفة" جمالا ورونقا، الحلي الفضية "كالخلال"، وهو أكسسوار يمسك به طرفي الملحفة بين الكتف وأعلى الصدر، تلبسه العروس عشية زفافها لطلة كاملة لهذا اللباس.

وعند وصول العروس إلى منزل العريس، وبمجرد نزولها من السيارة، ترش بالماء، ثم تجلس على كرسي مزين، ويستمر الرقص والاحتفال بالعروسين على وقع طلقات البارود وزغاريد النسوة، طيلة السهرة. عند دخول العروس منزلها الجديد، تضع في فمها قطعة سكر، وعليها أن تبقيها خلال عبورها عتبة بيتها، ثم تقوم أم العريس بإعطائها ماء أو حليبا تشربه، إضافة إلى حلوى تقوم برميها خلفها.

طقوس قائمة في لمة الفرح

حسب روايات عجائز من المنطقة، فإن التحضيرات لليوم الموعود، يشرع فيها أسبوعا قبل موعد المناسبة، حيث يقوم أهل العريس بتحضير الكسكسي والحلويات التقليدية، كـ«الرفيس" و«المقروط" و«الزيراوي"، ثم يحضرون كبشا وما يتطلب من مستلزمات طهيه لأهل العروس، ويتم ذبحه عند أهل العروس، لإعداد أطباق "البربوشة" أو الكسكسي، قبل تناول القهوة، تقام بعدها سهرة للاستمتاع بأغان تقليدية شاوية، تؤديها فرق الرحابة المشهورة في منطقة الأوراس. كما يقام غداء على شرف المدعوين، حيث تحضر وجبة "البكبوكة"، لينطلق بعدها الموكب من دار أهل العريس في اتجاه منزل العروس، في موكب فريد من نوعه، باستعمال الخيل، لنقل العروس على طلقات البارود وأنغام فرقة الرحابة.

وتؤكد العديد من النساء، اللائي تحدثت "المساء" إليهن في الموضوع، إلى أن ثمة عادات لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تزول في وجود بذرة خصبة وجيل غير منفصل عن هويته، متمسكا بتقاليده، وحسبهن، فإن المظاهر الجديدة في إقامة الأعراس جد مكلفة، وليست في متناول الجميع، خاصة بإقبال أهل العريس على توظيف سيارات فخمة، لتنطلق في موكب، حيث تقوم النسوة بإخراج جهاز العروس المتكون من حلي ذهبية وملابس متنوعة من السيارة المخصصة للعروس، ويقدمونه لأهلها بمجرد دخولهم إلى بيت الاحتفال، الذين بدورهم يستقبلونهم بالزغاريد، وتقدم لهم القهوة، ثم تقام وجبة العشاء، إلى ذلك تخضب أم العروس يد ابنتها العروسة بالحناء، وتضع لها خاتما من ذهب في أصبعها، استعدادا لليوم الموعود، وهو يوم الخميس عادة، الذي تزف فيه العروس إلى بيت زوجها في نفس موكب السيارات، الذي تتقدمه سيارة فاخرة لإحضار العروس تحت وقع الزغاريد وقروع الطبل وإطلاق البارود.

الحنة ملازمة لكل الأفراح

تقول الحاجة عائشة، إن تفاصيل الحناء جوهر عنوان الفرح لدى العروس، ومن جدواها خلق أجواء الفرحة والتبرك، إذ تتنافس الفتيات للظفر بحناء العروس، تيمنا بهذا اليوم المبارك، حيث توضع في صحن مزين بالشراشف والشموع تحت وقع الغناء والزغاريد، باستعمال "البندير"، وتردد النسوة أغان شاوية معروفة، وغالبا ما تكلف سيدة سعيدة في حياتها الزوجية، بوضع الحناء للعروسة، على أن تكون من أهلها، تبركا بها، ليتم بعد ذلك تخضيب بها أيادي الفتيات الأخريات، تفاؤلا واعتقادا بالظفر بزوج في أقرب وقت، توضع حينها صينية وسط الغرفة، لجمع ما تجود به النسوة من هدايا ونقود، احتفاء بالعروسة.

في هذا المشهد المميز، تظهر النسوة بالحلي الفضية، منها (ايزم ،لاي، أحناشي، أخلخال، أمقياس، لمشرف)، وهي تسميات لحلي تقليدية بمنطقة الشاوية في الأوراس، يمثل زخما ماديا لا يمكن الاستغناء عنه، إضافة إلى اللباس التقليدي، من جبة شاوية ولحاف.