حين توقِظ الكشافة الجذور
بوراس يعود من وهج عين عشير بعنابة

- 310

في غابة عين عشير لم تكن الأشجار مجرد ظل، ولا الخيام مجرد مأوى، ولا الأناشيد ترفاً صوتياً يُردَّد في احتفالات، كان كل شيء يهمس باسم محمد بوراس. في الذكرى الرابعة والثمانين لاستشهاده، لم تأت الكشافة لتُكرِّم رجلاً مضى، بل لتوقظ فكرة لم تمت... فكرة أن الوطن لا يُبنى بالخطابات بل بالأجيال... ولا يُصان بالحديد فقط، بل بالقيَم أيضاً.
على وقع تحية كشفية صارمة ارتفع العلم الوطني بين الأشجار. لم تكن حركة روتينية، بل لحظة وعي. وعي بأن الذي زرع الفكرة روى ترابها بدمه، وسلّمها جيلًا بعد جيل. النشيد الذي صدح في الفضاء لم يكن أغنية، بل وثيقة انتماء.
خيمة التهذيب… وطن داخل الوطن
هناك؛ حيث نُصبت خيمة فوج التهذيب، كانت الذاكرة تتكلم. لباس تقليدي ميزابي. شاي يُعد على نار الحطب. أطباق كأنها رسائل مشفرة من الجدّات: "أغروم"، "زيريزا"، "الرفيس".. كل لقمة كانت نشيداً صامتاً. الأطفال يرسمون، ويطبخون، ويزرعون، وينشدون، كانوا لا يتعلّمون الكشفية فحسب، بل يتذوقون الوطن، ويشمون رائحته في الرماد، وفي التراب الرطب، وفي الحكاية التي تُروى تحت ضوء المصباح اليدوي.
«نبض الطبيعة"... حين يتحول العشب إلى درس
ضمن مشروع "نبض الطبيعة"، لم يُترك شيء للصدفة: كل غصن هو محور نقاش. كل ورقة درس. وكل نسمةِ ريحٍ فرصةٌ لزرع حب الوطن في قلب طفل. لم يكن الشعار مجرّد عبارة، بل مشروع تربية خضراء، بوعي بيئي، وعمق وطني.
موعد مع الضوء... حين يصطفُّ الجيل القادم
ثم جاءت لحظة الاصطفاف. الأطفال يرتدون زيّهم بفخر، يرفعون الأعلام، ويرددون نشيداً كتبته النار. كانت الوجوه تشع. هناك فقط، في عين عشير، فهِمنا معنى أن الكشافة لا تُعلّم إشعال النار... بل كيف نبقيها مشتعلة في القلوب.
رسائل القيادة... الوطن ليس صدفة
في كلمته، قال القائد الكشفي: "لسنا هنا لنحتفل، نحن هنا لنوقِّع العهد: أن تبقى الكشافة حصن القيم، وأن يتحول المركز الكشفي إلى مصنع للرجال، وملجأ للضعفاء، ومنارة في الأزمات" ، في انتظار الإعلان عن مركز دائم للتدريب والتخييم والإغاثة، ولجنة ولائية مستعدة لكل ظرف، كل طارئ، وكل واجب.
«بوراس لم يمت... لقد استودع نفسه فينا"
في عمق الليل، حين صمتت الأناشيد وسكنت الريح، لم يبقَ غير وهج الجمرات يرسم ظلال الذاكرة. جلس شبل صغير عند حافة الخيمة، عيناه تلمعان بنورٍ لا تُطفئه الأيام. تأمل السماء، ثم همس كأنه يحدّث الوطن: "بوراس لا يسكن صفحات التاريخ... بوراس يسكن صدورنا، يحرس فينا الشعلة، ويوقظ فينا الوطن كل صباح" .