الأعراس الجزائرية بين الأصالة والحداثة
"النقافات".. حارسات التقاليد بلمسة عصرية

- 128

في قلب كل زفاف جزائري، تتردد الحكايات، وأصداء الأجداد في الزغاريد واللباس والموسيقى... فالعرس في الجزائر ليس مجرد احتفال عابر، بل هو رمز من رموز الهوية، وجسر يربط الماضي العريق بالحاضر المتجدد. ومع دخول العصر الحديث، بدأت الأعراس الجزائرية تلبس حلة جديدة، تمزج بين رونق التقاليد القديمة وروح الإبداعات العصرية، تخلق جوا من المنافسة بين تقاليد لا يمكن المساس بها، تحرص كبيرات السن على إحيائها، وكأن التخلي عنها خيانة لذاكرة الأجداد، في حين تسهر أخريات من جيل اليوم، على إعطاء لمسات جديدة تراها سحرية في إضفاء الرومنسية أو الأرستقراطية أو حتى الخيال في يومها، كلها تخلق حينها تقاليد جديدة، تتداخل فيما بينها في أجواء مميزة لكل فتاة، وبينما كان إحياء تلك التقاليد من عمل الجدات، بات اليوم من اختصاص منظمات الأعراس أو ما يعرف" بالنقافات"، مختصات في إعطاء معنى جديد لتلك الاحتفالات.
بعد أن كانت تلك الأعراس تنظم بعفوية أكثر داخل البيوت وفي أحواشها، أو حتى سطوح المنازل العربية، لا تتطلب إلا تجهيزات بسيطة ومتواضعة، تتكفل بتجهيزها العائلة والجيران، تُحوَّل في عصرنا إلى احتفالات أكثر تعقيدا، فقد أصبحت احتفالات تدابيرها أكثر من مجرد أعراس، بل مناسبة ترغب كل عروس أن تكون حدث السنة داخل العائلة، وانتقلت التنظيمات من أيادي الجدات إلى فرق تنظيم محترفة، تهتم بأدق التفاصيل، من اختيار القاعة، إلى تصميم الدعوات، مرورا بتنسيق الزهور، الإضاءة، أزياء العروس، وتصوير اللحظات بأسلوب سينمائي فريد، وغيرها من التفاصيل الصغيرة التي قد تخلق فرقا كبيرا.
ومن سهرة تجمع الأحباب حول قهوة أو غذاء، إلى عرض فني كامل متكامل، مواكب سيارات وفرق موسيقية، وماشطات ومختصات أزياء وغيرها يستعرض حينها ثقافة المنطقة، وحتى ذوق وشخصية العروسين.
ووسط تلك الفوضى التي قد تخلقها أجواء التنظيمات، برز عمل" النقافات"، وهن مجموعة من النسوة يتزيّن بألبسة تقليدية، يتخللن الأعراس لتنظيمه، وإضفاء أجواء مميزة فيها، يهتمن بأدق التفاصيل ويدللن العروس ويعاملنها معاملة الأميرات، يساعدنها على ارتداء الأزياء التقليدية، التي بعضها معقد، يُرتبنها بين كل لباس، يهتمن بمكياجها وتسريحات شعرها، وصولا إلى إيلاء اهتمام خاص بأدواتها الشخصية، ولا يسمحن لأحد بمحاولة إفساد أي لحظة من وقتها، يرافقنها بين كل لباس، من وإلى مقعدها بزغاريد تلهب القاعة فرحا، فليست مسؤولة عن مظهرها فقط، وإنما أيضا إضفاء روح جميلة على أجواء العرس، ليشعرنها بأنها من سلالة ملكية في يومها الجميل.
في هذا الصدد، حدثتنا فراح، إحدى مساعدات "النقافات"، أن الكثير من الفتيات، اليوم، يبحثن على هذا النوع من الخدمات، لاسيما الفتيات اللواتي ليست لديهن الكثير من الشباب والشابات في عائلاتها، لمساعدتهن على عملية التنظيم، ما يدفعها إلى الإقبال على خدمة "النقافات"، لمساعدتها على أبراز تفاصيل التنظيم وتخطي شقاء وعناء بعض الأعمال.
وأكدت فراح، أن عمل "النقافات"، يتمحور حول لباس العروس وضمان أجواء جميلة، مرافق العروس، الحرص على التنظيم وغيرها من الأمور الأخرى، وفق ما تتفق عليه مع العروس، والحرص على إحياء الموروثات الشعبية، وكذا الوقوف على حسن سير التقاليد الجديدة، مثل جلسات التصوير الخارجية، التي تقام في حديقة صالة الزفاف أو الفندق، أو الاهتمام بحناء العروس وغيرها من الأمور الأخرى، فدلال العروس وكل رغباتها، أوامر لـ"النقافة"، تقول فراح، فالعروس هي سيدة يومها، على حد تعبيرها.
يظل العرس الجزائري صورة حية لذاكرة وطن بأكمله، تضيف محدثتنا، وهو مناسبة تُجمع فيها الأجيال، تعرض الأزياء والموسيقى، تعكس ثقافة منطقة أو جملة منها، وتُحكى فيها القصص من جديد، كما أنها جزء من عبق الماضي، الذي لا يُنسى، ونبض الحاضر الذي لا يتوقف، في كل زغاريد، وكل طبل، وكل موسيقى أو خطوة راقصة، يثبت الجزائريون، أن تقاليدهم ليست مجرد أجواء، بل نبض حي يتجدد في كل مناسبة فرح.