تتويج لمسار طويل من التعب والسهر

النجاح في البكالوريا لا تْعادله أي فرحة أخرى

النجاح في البكالوريا لا تْعادله أي فرحة أخرى
النجاح في البكالوريا لا تْعادله أي فرحة أخرى
  • 296
 نور الهدى بوطيبة نور الهدى بوطيبة

تتحول مختلف الشوارع والأحياء والبيوت، هذه الأيام، إلى ساحات احتفال، تعبيرا عن فرحة نجاح المتمدرسين في الامتحانات الرسمية، فمع إعلان نتائج شهادة البكالوريا، عمت الفرحة أجواء المدن والشوارع والبيوت، وبات في كل بيتِ ناجحٍ عرسٌ صغيرٌ، وكل شارع مسرحا لمظاهر البهجة، تعبيرا عن قيمة هذا الإنجاز العلمي في المجتمع الجزائري، فهذ الشهادة ليست مجرد وثيقة مدرسية، أو مرحلة عادية من المسيرة العلمية، وإنما تعد بالنسبة للعائلات الجزائرية، تتويجا لمسار طويل من التعب والسهر، وانطلاقة نحو مستقبل أكاديمي ومهني واعد، وتخطيا لواحد من أصعب المراحل الفاصلة بين الطفولة والشباب، ومستويين مختلفين دراسيا، وإن كانت تكملة لما سبق منها.

منذ الساعات الأولى من إعلان النتائج، تتعالى الزغاريد في البيوت، وتنتشر التهاني بين الجيران والأقارب عبر الزيارات أو وسائل التواصل الاجتماعي، التي باتت تلعب دورا كبيرا في مشاركة اللحظة والفرحة، وتختلف العادات من منطقة لأخرى، لكنها تتفق جميعًا في رمزيتها وتقديرها لقيمة النجاح، حيث تشترك جميعا في بعث البهجة الجماعية، من إطلاق المفرقعات وزينة السيارات، إلى تنظيم مواكب خاصة، وتوزيع الحلويات، وصولا إلى ذبح كباش أو دجاج في بعض الحالات، وهو تقليد يعكس الامتنان والفرح في المدن الكبرى، كالعاصمة، وهران وقسنطينة، والعديد من الولايات الأخرى، إذ تحرص الكثير من العائلات على تنظيم حفلات صغيرة في المنازل، تُزين فيها الجدران بالبالونات والزينة وصور الناجح، وتقدم فيها الحلويات التقليدي، مثل "قلب اللوز، المقروط والبقلاوة"، إلى جانب الحلويات العصرية.

ولا تخلو المناسبة من الهدايا، منها الرمزية، ومنها القيمة التي تمنح للناجحين، تختلف بين هواتف ذكية، ساعات يد، ملابس أو حتى رحلات قصيرة، كنوع من المكافأة والتشجيع للناجحين.

أما في مناطق أخرى، فتأخذ الاحتفالات طابعا اجتماعيا أكثر دفئا، إذ تجتمع العائلات الكبيرة دون ضجة كبيرة، ويذبح خروف أو ديك رومي احتفالا بالنجاح، ويقيم البعض ولائم في البيوت، يدعى إليها الأقارب والجيران، أما في بعض القرى، تتحول المناسبة إلى حدث جماعي، تُنظم فيه حفلات موسيقية شعبية، ويكرم فيها المتفوقون على مستوى المنطقة من طرف الجمعيات المحلية أو البلدية.

ولا يغيب الجانب الروحاني عن هذه المناسبة، إذ يقوم الكثير من الأهالي بذبح الأضاحي، شكرا لله، وأداء صلوات الشكر والدعاء بالتوفيق في المستقبل. بعض العائلات تصطحب أبناءها الناجحين لزيارة المساجد، للدعاء، وإخراج صدقات، في تقليد يحمل طابعا روحانيا متجذرا في الثقافة المحلية.

في السنوات الأخيرة، أصبح من المعتاد إحياء نوع آخر من الاحتفالات، وهو نشر اسم وصورة الناجح على صفحات "الفايسبوك"، أو فيديوهات له مصحوبة بكلمات فخر وتهاني من الأصدقاء والعائلة، وتحولت هذه المنصات إلى ساحة عرض للإنجازات والتهاني، ما يعكس مدى أهمية هذا الحدث في الوعي الجماعي الجزائري.

في هذا الصدد، أجمع عدد من الناجحين وعائلاتهم، الذين حدثتهم "المساء"، على أن النجاح في شهادة البكالوريا لحظة فارقة لا تُنسى، ليس فقط لأنه يجسد نهاية مرحلة دراسية مهمة، بل لأنه يحمل في طياته أحلام العائلة بأكملها، ويعكس صبرها وتضحياتها طيلة سنوات من المرافقة والمتابعة، لذا، فإن فرحة البكالوريا في الجزائر تتجاوز حدود الطالب، لتصبح فرحة مجتمع بأكمله.

وأوضح محدثو "المساء" أن العزومات وحفلات القهوة والعشاء التي تنظم على شرف أبنائهم الناجحين، هي فرصة لمشاركة بهجة النجاح، وتعد لحظة عرفان للآباء والمعلمين الذين ساهموا في هذا النجاح، فكثير من العائلات تختار أن تكون المناسبة فرصة لشكر كل من دعم ابنها أو ابنتها في مشوار الدراسة، سواء بالكلمة الطيبة أو بالدعم المعنويو أو بمساعدة من نوع آخر، كالتعليم والحفظ وغير ذلك.

وتتحول، حسب محدثينا، تلك العزومات إلى لحظة رمزية، يتجاوز فيها الفرد عتبة الطفولة إلى بداية الاستقلال والمسؤولية، فهي احتفال بنجاح أكاديمي، لكنها أيضا تمثل بداية مشوار جديد نحو التعليم العالي، وترمز إلى ما يمكن تحقيقه بالإرادة والاجتهاد لمستقبل واعد.