دراسة أكاديمية تدق ناقوس الخطر
المكملات الغذائية... علاج وهمي وخطر صامت

- 119

عرفت المكملات الغذائية خلال السنوات الأخيرة، انتشارا واسعا في الجزائر، لتتحول من منتجات تكمّل النظام الغذائي إلى بديل وهمي للعلاج بالنسبة لكثير من الأشخاص، حيث لم يعد استعمالها مقتصرا على الحالات الصحية الخاصة، بل أصبحت تُستهلك بشكل يومي من قبل فئات مختلفة، بدءا من الرياضيين، وطلبة الامتحانات، إلى النساء الباحثات عن التوازن الجسدي، بل وحتى الأشخاص الذين يعانون من القلق أو الإرهاق المزمن، غالبا دون استشارة أو تشخيص طبي.
ولعل هذا الإقبال المتزايد الذي يُسجَّل اليوم سواء لأغراض زيادة الوزن أو لأهداف صحية متعددة، ترافَق مع توفر سوق متنوع يزخر بمكملات غذائية من مختلف الأصناف، كالبروتينات، والكربوهيدرات، والفيتامينات، والمعادن وغيرها، فرغم هذا التنوع إلا أن حجم الفوضى التنظيمية يجعل هذا التنوع مصدر قلق وليس ميزة في حد ذاته. وفي خضم هذه الفوضى جاءت دراسة أكاديمية حديثة أعدّها البروفيسور محمد حبيب بلماحي، عميد كلية هندسة الطرائق بجامعة قسنطينة 3، لتضع هذه الظاهرة تحت المجهر العلمي، وتكشف الوجه الآخر لاستهلاك المكملات في الجزائر.
مفاهيم مشوّشة بين الدواء والغذاء
في سياق البحث، أوضح البروفيسور بلماحي عميد كلية هندسة الطرائق بجامعة قسنطينة 3 والمختص في علم السموم بالمستشفى الجامعي ابن باديس سابقا، أن المفهوم الحقيقي للمكملات الغذائية لايزال غائبا عن وعي نسبة كبيرة من الجزائريين، فبينما يعدّها البعض أدوية فعّالة يراها آخرون مجرد منتجات طبيعية يمكن تناولها بأي كمية دون ضرر، في حين أنها في الأصل، حسبه، مجرد عناصر مكملة، تُستخدم في حالات معيّنة، وتستدعي تدخلًا طبيا دقيقا.
ويرى المتحدث أن السبب الرئيس لهذا الخلط يعود إلى التسويق المضلل، والإشهار غير المهني، إلى جانب التوصيات الشفهية، وسهولة الحصول على هذه المكملات من الصيدليات أو حتى عبر الإنترنت دون أي وصفة طبية، ما حوّلها إلى منتجات استهلاكية يومية، يتم تناولها بعشوائية، حيث يستغل البعض هذه الفجوة ليتحوّل إلى "باعة وهم صحي"، يروّجون للمكملات على أنها تعالج أمراضا معيّنة دون أي أساس علمي، معتمدين على إعلانات مضللة، ومؤثرين على مواقع التواصل الاجتماعي.
مفارقة غذائية في بلد الشمس والخصوبة
أكد الدكتور في حديثه مع " المساء"، أن الدراسة التي قام بها رفقة فريق عمله، أظهرت مفارقة واضحة بين الجزائر ودول أخرى مثل اليابان، حيث أشارت نتائج المقارنة إلى أن 25% من سكان اليابان، يلجأون إلى المكملات الغذائية لتعويض نقص عناصر معيّنة في بيئتهم الطبيعية التي يفتقدون إليها. أما في الجزائر فهي ذات الطبيعة الغنية بأشعة الشمس والمنتجات الفلاحية المتنوعة، فلا يوجد مبرر حقيقي لهذا الاعتماد الكبير على هذه المكملات، خاصة أن النظام الغذائي المحلي قادر على تلبية الاحتياجات اليومية في أغلب الحالات.
وهنا شدد البروفيسور بلماحي على أن استخدام المكملات يجب أن يظل محصورا في نطاقه الطبي، لا أن يتحول إلى عادة موسمية أو مزاجية.
من قاعات الرياضة إلى مقاعد الدراسة
أوضح البروفيسور بلماحي أن الدراسة تنقل أيضا صورا مقلقة حول بعض أنماط الاستهلاك، حيث كشف صاحب الدراسة العلمية، أن المكملات تُمنح للأطفال من طرف أوليائهم خلال فترات الامتحانات؛ على اعتبار أنها منشطات ذهنية، بينما يتناولها الشباب والرياضيون في قاعات كمال الأجسام بشكل مفرط، ودون إشراف مختص، ما يزيد من خطر الوقوع في مضاعفات صحية خطيرة. ولفت المختص في علم السموم بالمستشفى الجامعي ابن باديس سابقا، إلى أن بعض هذه المكملات قد تحتوي على مركبات دوائية أو إضافات كيميائية، مثل "الكورتيكويد"، ما يعرض مستخدميها لأمراض مزمنة مع مرور الوقت.
ما بعد كوفيد... قفزة استهلاكية غير مسبوقة
ولعل من بين أهم محطات التحول التي سجلتها الدراسة العلمية حول المكملات الغذائية بالجزائر، فترة ما بعد جائحة كوفيد-19، التي عرفت طفرة كبيرة في استهلاك المكملات، حيث أكد البروفيسور بلماحي أن الإحصائيات التي اعتمد عليها، أكدت أن نسبة المستخدمين لهذه المكملات ارتفعت من 6% قبل جائحة كورونا إلى أكثر من 63% بعدها، تحت تأثير الخوف الجماعي من الفيروس، في ظل ترويج مكثف للمكملات على أنها محفزات مناعية، مشيرا الى أن هذا الإقبال المفاجئ شجّع العديد من المصنعين على إنتاج كميات ضخمة من المكملات دون رقابة كافية، ما أدى إلى طرح منتجات غير آمنة في السوق، بعضها يفتقر لأبسط البيانات مثل تاريخ الصنع أو المكونات، وأخرى تحتوي على مواد محظورة دوليا، بل إن الوضع تفاقم بوجود ورشات سرّية تم ضبطها السنوات الماضية بالعاصمة، كانت تقوم بتقليد وصناعة مكملات غذائية بشكل غير قانوني، ما يشكل خطرا إضافيا على صحة المستهلك.
سوق متفلت ومراقبة غائبة
وقد طرحت الدراسة سؤالًا جوهريا حول الجهة المسؤولة عن مراقبة المكملات الغذائية في الجزائر، خاصة في ظل تزايد حجم السوق، وتوسع نشاط شركات جزائرية صغيرة ومتوسطة متخصصة في إنتاج هذه المنتجات، والتي يعتمد عليها جزء معتبر من السوق. ورغم أن بعضها يعمل ضمن الأطر القانونية إلا أن عددا كبيرا من المكملات يتم تداوله دون تراخيص من السلطات الصحية، ما يُعمّق أزمة الثقة، ويزيد من خطورة ما يُعرض على المستهلك، حيث أشار البروفيسور إلى أن هذه المنتجات تخضع حاليا لإشراف وزارة التجارة رغم تأثيرها المباشر على صحة المواطنين، مطالبا بإشراك وزارات أخرى؛ على غرار الصحة والصناعة الصيدلانية لضمان رقابة شاملة، خاصة مع وجود مكملات مجهولة المصدر تُباع دون أي مراقبة حقيقية أو إلزام بالإفصاح عن محتواها.
النساء في الواجهة... والزيوت في مرمى الخطر
من جهة أخرى، كشفت الدراسة عن أن النساء يشكلن النسبة الأكبر من مستهلكي المكملات الغذائية، خاصة خلال مناسبات معيّنة أو فترات تَغيّر الفصول، حيث سجل فريق البحث استعمالًا واسعا للزيوت الأساسية من طرف هذه الفئة، لا سيما لأغراض التجميل أو الاسترخاء، دون إدراك لمخاطرها الصحية. وأشار البروفيسور إلى أنه خلال الدراسة تم رصد حالات طبية أظهرت ارتفاعًا في ضغط الدم؛ بسبب استعمال نوع من الزيوت دون إشراف طبي.
توصيات علمية ودعوات للتقنين
اختُتمت الدراسة بجملة من التوصيات العلمية التي تهدف إلى وضع حد لفوضى الاستهلاك، أبرزها تشديد الرقابة على المنتجات المعروضة في الأسواق، ومراقبة مصدرها، وتركيبتها الكيميائية، وتاريخ صلاحيتها. كما أوصى البروفيسور بلماحي بسن قوانين واضحة تنظم استيراد وإنتاج وتوزيع المكملات، إلى جانب ربط استهلاكها بوصفة طبية مدعومة بتحليل دم يحدد الحاجة الفعلية إليها. وشدد على ضرورة رفع الوعي الصحي عند الأطباء والصيادلة لتوجيه المرضى بشكل سليم، وتكثيف حملات التوعية الصحية عند المواطنين، لكبح جماح الممارسات التجارية الخطيرة، التي لا تراعي سلامة المستهلك.
صحّة الجزائريين على المحكّ وفي تحذير واضح
كما اختتمت الدراسة بالإشارة إلى أن استمرار الوضع الحالي قد يؤدي إلى تداعيات صحية خطيرة على المدى الطويل، في ظل غياب التوجيه العلمي، وانتشار ثقافة الاستهلاك العشوائي، فبينما قد تُشكّل المكملات حلاً في بعض الحالات، تتحول إلى خطر صامت حين تُستخدم بلا ضوابط أو رقابة، وهو ما يستدعي وقفة عاجلة من الجهات المعنية قبل فوات الأوان.