طهاة ومختصون في الصحة يؤكّدون:
المطبخ الجزائري إرث حضاري يستوجب الحفاظ عليه
- 367
أحلام محي الدين
احتفل طهاة وإعلاميون باليوم العالمي للشاف المصادف لـ20 أكتوبر من كلّ سنة. حيث بادرت الهيئة الوطنية للذوق والإبداع في فنون الطبخ برئاسة الشاف رقية شقروش بالتنسيق مع المرصد الوطني للسياحة والفندقة برئاسة أمين لمهال، بتنظيم لقاء في أجواء طبعتها الفرحة التي اكتسحت القلوب، والغيرة على الإرث الوطني؛ إذ أجمع المتحدّثون من الطهاة المتدخّلين والمكرَّمين، على أنّ المطبخ الجزائري العريق بخيراته وثرائه، أمانة، لا بدّ من الحفاظ عليها، وهو كنز عظيم يعود بالخير على البلاد، لا سيما أنّه عنصر رئيسي في جلب السيّاح المتعطشين للتعرّف على العادات والتقاليد والأطباق الخاصة بكلّ منطقة من الجزائر البلد القارة، خاصة أنّ لكلّ منطقة طريقة طبخ تميّزها، ونكهات تفوح من مطابخها، تُسيل اللعاب فور شمّها، في الوقت الذي أشارت المتدخّلات من الإعلاميات، إلى أنّ الطبخ الجزائري إرث حضاري كبير، يستحق الاهتمام، والالتفاف حوله، ليتعرّف عليه العالم بأسره؛ نظرا لميزاته، وخصوصياته الفريدة نكهة وذوقا.
أبدى الطهاة الجزائريون والإعلاميون العاملون على التعريف بالتراث العريق للمطبخ الجزائري، فرحة كبيرة بالالتفاتة الطيبة والإيجابية للسيدة رقية شقروش، التي اختارت شعار "نلتقي لنتألّق في الطبخ الراقي وإرث باقٍ من أجل الجزائر" ، للفعالية، بحضور طهاة من 58 ولاية من الوطن، جاءوا محمّلين بالوصفات والأسرار التي تخفيها يد الطاهي، لتصنع من الطبق متعة لا تُضاهى.
وعبّر الطهاة عن فرحتهم بالهيئة الخاصة بالشيفان، والتي تعكس جهودهم، وتُظهر طموحاتهم. وستكون فضاء لتبادل الخبرات، والترويج للسياحة الذوقية في الجزائر؛ في صورة تشير الى أنّ المطبخ الجزائري عنوان للأصالة، والتميّز، والذوق الراقي. فلاتزال الأطباق الجزائرية تنال الصدارة في ترتيب الأطلس العالمي للطبخ. كما نسمع في أوقات عديدة الإطراء على الذوق والشكل الذي يتحدّث عنه المؤثرون العالميون ممن زاروا الجزائر، وتعلّقوا بأذواقها، وحلوياتها التقليدية الأنيقة؛ فكم هو كبير عدد من أثنوا على جمال أشكالها التي لا تضاهيها حلويات أخرى عبر العالم!
من جهته، أشار رئيس المرصد الوطني للسياحة والفندقة محمد أمين هارم، خلال مداخلته، إلى أنّ الطاهي هو سفير الجزائر إلى العالم للترويج السياحي، والتعريف بالمطبخ الجزائري العريق والمميّز؛ إذ يسلّط المرصد الضوء على الجهود الكبيرة للطهاة في الحفاظ على التراث، والذوق، شاكرا الأسرة الإعلامية على جهودها، ودورها في ترقية السياحة، والطهو. في حين عبّرت عميدة الطبخ الجزائري السيدة أرزقي، عن سعادتها الكبيرة بمبادرة رقية شقروش، التي تراها ابنتها التي شاركتها في كثير من المسابقات، مؤكّدة أن الشباب الجزائريين مبدعون، ويستحقون الدعم. كما أوصت الطهاة بالمحافظة على هذا الإرث الحضاري العريق.
الشاف رقية شقروش... قصة صبر وعزيمة واعتراف
تقول رئيسة الهيئة الوطنية للذوق والإبداع في فنون الطبخ، الشاف رقية شقروش، في تصريح لـ"المساء" ، " إنّ "الاعتراف بجهد وتعب الآخرين فضيلة. وتشجيع الأطراف التي تتعب على مواصلة الجهود، أمر مهم جدا، وضروري؛ لهذا قمنا بتكريم طهاة من مختلف ولايات الوطن، وكذا إعلاميين شاركوا لسنوات طوال، في التعريف بهذا الإرث الثقيل الأصيل" . وأضافت: "أردنا أن نقدّم للطهاة والإعلاميات تكريما بكثير من الحب، والاحترام، والامتنان؛ فهو تكريم للجانب الإنساني، واعتراف بالعطاء من الطرف الآخر. فاللقاء فرصة لتوأمة العمل؛ لأنّ هناك علاقة وطيدة تجمع الصحفي والطاهي؛ فالأوّل يجتهد ليبهر. والإعلامي يعرض الجهد، ويحافظ على الإرث".
وتقول السيدة رقية واصفة مرارة التهميش، "أنا شخصيا عانيت من التهميش رغم سنوات من العطاء في المجال.. بعدها عمدت إلى القيام بواجبي؛ كأمّ حرصت على تدريس أبنائها ونجاحهم في الحياة الدراسية. فبعد أن نال أبنائي الشهادات العليا قرّرت العودة لمواصلة طموحي الذي ظلّ جانبا ينتظرني، لا سيما أنّني كنت صاحبة مدرسة تكوين في الطبخ اسمها " النجاح ". وقد ساهمت في مساعدة كثير من الفتيات، على تحقيق طموحاتهن، وفتح مشاريعهن الخاصة".
وأضافت المتحدّثة: "مهنة الطاهي ليست سهلة؛ فهو يحرص على تقديم أشهى الأطباق لإرضاء الأذواق، سواء في المناسبات، أو حتى في الأفراح المنزلية؛ إذ تقع على عاتقه مهمة " ضمان البنّة " ، والحفاظ على أصالة الطبق، وإسعاد المتذوّق. كما يحمل رسالة، وهي إيصال إبداع وجمال الطبخ الجزائري، للعالم، وحفظه للأجيال" . وتابعت: "الجزائر نبض يسري في دمي. هي الأرض التي علّمتني أنّ الشرف لا يساوَم. وكلّ عمل يقدَّم باسمها لا بدّ أن يكون نقيا كالروح؛ فبين النكهة والملعقة هناك وطن ينتظر أن يراه الناس في أجمل صورة؛ لذا فقد عاهدت نفسي على أن أرفع راية الطبخ الجزائري الأصيل عالية. سأحمل الوصفات التقليدية والصحية، وأنظّف المائدة من الشوائب التي تساقطت عليها".
وفي الختام أشارت الشاف رقية شقروش إلى أنّ الهيئة الوطنية للذوق والإبداع في فنون الطهو، منصة وطنية، تهدف إلى الارتقاء بالمطبخ المحلي كقيمة ثقافية، وتطويره كعنصر فاعل في السياحة والفندقة؛ فهو ليس فقط إعداد أطباق، بل تعديل حضاري، يعكس الذوق، وينقل رسالة الوطن إلى العالم. وتكمن رسالته في تحويل الطهو من مجرد مهنة إلى فن يحمل الهوية، ومن طبق يومي إلى تجربة متكاملة، تقدّم للسياح والضيوف في الفنادق والمطاعم، وسائل الضيافة الجوية.
حرص على الرقيِّ بالطبخ الجزائري
من جهتها، أوضحت الشاف عبير خلال تدخّلها، أنّ الأكلات التقليدية الجزائرية لا بدّ أن تقدَّم بلمسة عصرية؛ من أجل جذب السياح؛ تقول: "لأنّنا مسؤولون عن الترويج للأكل التقليدي، لا سيما أنّ السياحة مرتبطة به. فالسائح في رحلته يهمّه الأكل؛ لهذا لا بدّ من الاهتمام بهذا الجانب، والعمل على استقطاب أكبر عدد من السياح لخدمة الاقتصاد الوطني. كما يجب أخذ بعين الاعتبار إدراج الأطباق التقليدية الصحية والغنية وطيبّة المذاق، في قائمة الطعام على الرحلات الجوية ".
ومن جهته، أعرب الشاف مصطفى الذي عُرف بالطبخ الجزائري في كثير من المسابقات الدولية، عن مدى سعادته بهذا التكريم، الذي وصفه بيوم ميلاد قائلا: "أشعر أنّني وُلدت اليوم رغم أنّ لديّ 34 سنة تجربة كطاهٍ، إلاّ أنّني لم أعش هذا الشعور العظيم، والإحساس بالاعتراف إلاّ اليوم"، موجّها الشكر للسيدة رقية على هذا التكريم الراقي.
وفي ما يخصّ نشاطاته أوضح أنّه بصدد تقديم حصص تلفزيونية عن الأطباق التقليدية لولاية بجاية والقبائل؛ مثل تكربابين؛ الأكلة التقليدية التي يحبها الجميع، إلاّ أنّ الكثيرين يجهلون طريقة تحضيرها، مؤكّدا أنه يسعى لإيصال نكهات الطبخ الجزائري إلى كلّ العالم.
صاحبة مدرسة الطبخ سامية، أشارت في معرض حديثها، إلى أنّ جمال الحلويات التقليدية الجزائرية جعلها في الصدارة دوما، هو ما يستوجب الحفاظ عليها؛ لتركها إرثا جميلا، وغنيا للأجيال.
وأكّدت المختصة في صناعة الحلويات كريمة لماني، أنّ إيمان الشخص بموهبته وقدراته وإعطاء نفسه الفرصة في التكوين والتطوّر، يُعدّ سببا مباشرا في النجاح، مشيرة إلى أنها تلقّت التشجيع من الشاف رقية منذ سنوات مضت؛ إذ شجّعتها على المواصلة في هذا المجال. كما اشترت منها منتجاتها في أحد المعارض؛ لتشجيعها على مواصلة المسار.
إعلاميات يؤكّدن: الحفاظ على الإرث أمانة يحملها الجميع
عبّرت إعلاميات كُرّمن بالمناسبة نظير جهودهن في التعريف بجماليات التراث الجزائري وأصالته العريقة؛ على غرار أحلام بن علال مديرة جريدة "أحلامي"، سهيلة دغموم من التلفزيون العمومي، عن سعادتهن الكبيرة بالتكريم، مع الإشارة إلى أنّ العمل على إظهار الإرث الحضاري للجزائري، واجب؛ فبلادنا تزخر بمقومات سياحية واقتصادية كبيرة.
أشارت الإعلامية سامية زمجري من التلفزيون الجزائري، إلى أنّ بلادنا غنية. وأطباقها راقية. ففي كلّ شبر من الوطن صحن يختلف عن الآخر في الذوق، والنكهة، وطريقة التحضير؛ نظرا لخصوصية كلّ منطقة، وكلّ ما تنتجه الأرض الطيبة من خضر وفواكه، موضّحة أنّ الأطباق التقليدية كانت ولاتزال فخر المناسبات الدينية والأفراح، شاكرة جهود كلّ من ساهموا في الحفاظ على الذوق الأصيل.
ومن جهتها، أشارت الإعلامية سميرة قاسمي إلى أنّ التكريم وجه من أوجه الشكر على العطاء، مؤكّدة أنّ المرأة الجزائرية معطاءة، وفي الصدارة دائما، ولطالما سُجّل اسمها بحروف من ذهب في مختلف المجالات، مضيفة أنّ الطبخ الجزائري عريق، ويستحق التعريف، والاهتمام، في حين أشارت صحفية "المساء" إلى أنّ الجهود المبذولة من طرف الطهاة، تستحق الشكر، لا سيما من حملوا الراية عاليا في التعريف بالمطبخ الجزائري الثريّ، والذوق الشهي لأطباقنا التقليدية الأصيلة، التي تحمل ذوق القمح والشعير لا سيما أطباق العجائن التقليدية الشهية؛ على غرار الرشتة، والشخشوخة، والكسكسي بأنواعه وأذواقه المختلفة، مع التأكيد على ضرورة الحرص على تقديم أطباق صحية، كما كانت عليه أطباق الجدات؛ إذ يُعدّ المطبخ الجزائري فخر البحر الأبيض المتوسط بخضره، وسمكه، وزيت الزيتون الطيبة، التي تعكس سرّ البنة، والذوق الجيّد.
ومن جهتها، أشارت الصحفية ياسمين جنوحات منشّطة الحفل، إلى أنّ الجهود التي يبذلها الطهاة معتبرة في الحفاظ على التراث، والإرث، لا سيما أنّها كثيرة الاحتكاك بهم في مجال اختصاصها بالأطباق التقليدية والحلويات، شاكرة السيدة رقية شقروش على اعترافها بجهود الإعلاميّين والطهاة.