لجنة الشؤون الاجتماعية للمجلس الشعبي لولاية الجزائر في زيارة تفقدية

المدارس القرآنية تعاني الاكتظاظ وتعيش على نفقات المحسنين

المدارس القرآنية تعاني الاكتظاظ وتعيش على نفقات المحسنين
  • 3533
رشيدة بلال رشيدة بلال

اتجه اهتمام السيدة فريدة جبالي، رئيسة لجنة الشؤون الاجتماعية والثقافية والشؤون الدينية والأوقاف والشباب والرياضة بالمجلس الشعبي لولاية الجزائر، إلى المدارس القرآنية بعد أن لفت انتباهها الإقبال الكبير عليها من قبل الأولياء هروبا من النفقات المبالغ فيها في روضات الأطفال وتراجع المستوى التعليمي فيها والاهتمام بالأغاني والرقص... وللاطلاع على سير المدارس القرآنية ورصد أهم الانشغالات التي تعاني منها واحتياجاتها، سطرت في الإطار خرجة تفقدية إلى المدارس القرآنية الموزعة على 13 مقاطعة إدارية، كانت "المساء" حاضرة فيها.

المحطة الأولى للزيارة التفقدية كانت المدرسة القرآنية بمسجد "أبي بكر الصديق" بحي الشعايبية في بلدية أولاد الشبل، عندما دخلنا المدرسة كانت تبدو جد بسيطة من حيث التجهيز، تحوي كراسي وطاولات قديمة، تتولى المدرسة على التكفل بتعليم الأطفال ما قبل التمدرس، يزيد تعدادهم عن 195 تلميذا موزعين على أفواج، حيث يتشكل الفوج الواحد من 35 إلى 40 تلميذا، مما يعني أن هذه المدارس تطرح مشكل الاكتظاظ، وهو ما أشارت إليه الأستاذة يمينة طاجين المشرفة على التعليم، حيث قالت "المدارس القرآنية لا تزال بحاجة إلى تدعيم من حيث التجهيز وكذا توسيع الأقسام بالنظر إلى الإقبال الكبير على هذا النوع من المدارس لتعليم الأبناء، في ظل غلاء تكاليف روضات الأطفال".

البحث عن التربية الدينية وراء الاكتظاظ

محطتنا التالية كانت المدرسة القرآنية الكائنة بمسجد "بلال بن رباح" التابعة لبلدية بئر توتة، ولعل الانطباع الأول الذي رصدناه عند زيارتنا للمدرسة تمثل في أن هذه الأخيرة كانت أفضل من حيث التأثيث، بعد أن استفادت من دعم مالي مقدم من المجلس الشعبي الولائي، وهو الأمر الذي استحسنته رئيسة اللجنة السيدة جبالي، حيث ثمنت حسن استغلال الدعم في تجهيز المدرسة بما تحتاج إليه من معدات ممثلة في كراس وطاولات ملونة للأطفال بهدف التخلص من الفكر التقليدي للمدارس القرآنية، حيث يجلس الطفل على الأرض  ويستخدم اللوحة. وفي حديثنا إلى بعض المدرسات، كشفن عن بعض الانشغالات التي تمثلت في مجملها في الاكتظاظ بالنظر إلى الإقبال الكبير على هذه المدارس، لعدة أسباب، أهمها الرغبة في تعليم الأبناء التربية الدينية والأخلاقية التي أضحت غائبة في روضات الأطفال، مشيرين إلى أن المدرسة ولتمكين أكبر عدد من الأطفال من الاستفادة، اتجهت إلى العمل بنظام الأفواج، حيث تشرف على تعليم 150 تلميذا بمعدل 62 طفلا في القسم، ناهيك عن غياب برنامج موحد، وحسب المعلمة بلحسن أم الخير "فإن أغلب المدارس القرآنية تعمل وفق برنامج تطوعي تشرف المعلمة على تسطيره بناء على احتياجات الأطفال ما قبل التمدرس، ممثلة في الحروف والأرقام والحساب وقراءة القرآن والأحاديث والأدعية"، تبين لنا أنه رغم الاكتظاظ المسجل، إلا أن المدرسة القرآنية كانت تبدو أكثر تنظيما ويكاد الزائر لها يجهل بأنها تتواجد بداخل مسجد، لتشابهها مع المدارس العادية. أما المدرسة القرآنية الكائنة بمسجد "الإمام مالك ابن أنس" في بلدية أولاد الشبل، فكانت هي الأخرى رغم تكفلها بتعليم أبناء الحي والأحياء المجاورة بمعدل 120 تلميذا، إلا أنها تشكو من العديد من النقائص، حسب سالم بونعاس رئيس اللجنة في المدرسة، وطالب بالمناسبة أن يجري تجهيز القسم وفتح أقسام أخرى لمواجهة الاكتظاظ، لأن الاعتماد على أموال المحسنين غير كاف لتجهيز الأقسام.

... وأطفال يدرسون على الحصير

وجهتنا التالية كانت المدرسة القرآنية الكائنة بمسجد "العشيرة" ببلدية خرايسية، هذه الأخيرة جسدت الوجه الحقيقي للمدرسة القرآنية التقليدية، حيث توزع عدد هائل من الأطفال على الزرابي المفروشة على الأرض، وكان صراخهم كبيرا لكثرة العدد ولعل الانطباع الأول المسجل أن كل المقيمين بالحي أودعوا أبناءهم في المدرسة بسبب غياب مرافق أخرى تتكفل بتعليمهم، في ظل غلاء روضات الأطفال التي أضحت مطلبا لمن استطاع إليها سبيلا، وحسب المشرفين على المدرسة، فإن هذه الأخيرة تتكفل بتعليم 233 طفلا يجري توزيعهم على قاعتين، يحصل كل فوج على ساعتين من الدراسة ليتسنى لكل الأطفال الاستفادة، مشيرين إلى "أن  هذه المدرسة تعد من أفقر المدارس القرآنية، تعتمد على نفقات المحسنين، في حين يضطرون عند استخدام الكتب إلى الاستنجاد ببعض الطاولات القليلة المركونة جانبا، حيث يجري استخدامها بالتناوب بين الأطفال".

الاكتظاظ دفع إلى إنشاء مدرسة قرآنية جديدة من مال المحسنين

محطتنا الأخيرة كانت المدرسة القرآنية بمسجد "علي بن أبي طالب" ببلدية ادرارية التي أعطت صورة حقيقية للمدرسة القرآنية النموذجية العصرية، إن صح التعبير، حيث يشعر من يلجها بأنه في مدرسة حقيقية، حيث تقابلك إدراة منظمة بطاقم تربوي مؤطر، تحوي أربعة أقسام واسعة ومجهزة بأحدث الضروريات من كراس مريحة وخزائن وتدفئة لتمكين الأطفال من التعلم في ظروف حسنة، وحسب المعلمة حفيظة منصوري، فإن المدرسة تتكفل بتعليم ثمانية أفواج بمعدل 45 تلميذا في القسم، وهو عدد كبير بالنظر إلى الطلب الذي فاق قدرة المدرسة، مشيرة إلى أن بعض الأولياء سحبوا أبناءهم من روضات الأطفال وألحقوهم بالمدرسة القرآنية نظرا لنوعية الخدمات المقدمة سواء في مجال التربية الدينية أو الأخلاقية أو في المجال التعليمي، ناهيك عن أن كل الأطفال الذين التحقوا بالمدرسة الابتدائية أثبتوا تفوقهم، مما جعل المدرسة قبلة لكل الأولياء، الأمر الذي خلق الحاجة إلى توسيع المدرسة ببناء مدرسة أخرى من أموال المحسنين تحوي على 12 قسما، بمعدل 30 تلميذا،  وطاقة استيعاب تقدر بـ360 طفلا، ينتظر أن يجري استلامها بعد شهرين لحل مشكل الاكتظاظ.


 

بحثا عن التربية الدينية وهروبا من تكاليف دور الحضانة

الأولياء يفضلون المدارس القرآنية

احتكت "المساء" بعدد من الأولياء الذين توافدوا على المدارس القرآنية لمرافقة أبنائهم بعد انتهاء وقت الدوام، واستفسرت عن دافعهم لاختيار المدرسة القرآنية دون سواها من أجل تحضير أبنائهم للدخول المدرسي، صبت كل آراء المستجوبين في وعاء واحد، مفاده أن المدرسة القرآنية تقدم لأبنائهم تربية دينية قبل كل شيء، وهو الأمر الذي أضحى غائبا في المجتمع اليوم، وحسب سيدة كانت تهم بمغادرة المدرسة برفقة طفلتيها، قالت؛ "تربيت بالمدرسة القرآنية،  ولأنني على علم بما تقدمه، أثق فيها لتساعدني على تربية بناتي تربية دينية"، في حين أشارت سيدة أخرى إلى أن السبب الأساسي الذي دفعها إلى تسجيل ابنتها بالمدرسة القرآنية، هو حرص القائمين عليها على تلقين أبنائهم، ما جاء في كتاب الله من آيات قرآنية وأحاديث وأدعية، لأنه بالنسبة لها عوامل مساعدة على تهذيب الأطفال، ناهيك عن أنها تقدم دروسا تربوية بأسلوب بسيط، في حين علق كمال وهو أب لطفلين متمدرسين في المدرسة القرآنية، بأنه اختارها بعدما كان يضع أطفاله بدار الحضانة، لسبب واحد أن هذه الأخيرة أفسدت تربية أبنائه بتعليمهم الغناء والرقص وبعض الأمور الأخرى المخالفة لتعاليم ديننا، من أجل هذا قررت سحبهم من الروضة وتسجيلهم في المدرسة القرآنية، على الأقل يتعلمون منذ الصغر بعض الآداب الدينية  والأخلاقية التي تنفعهم في حياتهم. 

وإذا اختار بعض الأولياء المدرسة القرآنية بدافع ديني، فإن آخرين دفعتهم التكاليف الباهضة أو المبالغ فيها لبعض دور الحضانة إلى تركها والبحث عن بدليل لها، على حد قول سيدة من بلدية الخرايسية "روضات الأطفال تطلب مقابل كل طفل من 8000 إلى 20 ألف دينار، مما يعني راتبا شهريا كاملا، وبحكم أن المدارس القرآنية هي الأخرى تخضع لنظام داخلي مقابل أجر مقبول، أعتقد أنها تظل أرحم، ناهيك عن الخدمات التي أضحت تقدمها دور الحضانة في غير المستوى المطلوب".