مع بداية العام الدراسي
"اللمجة"... دعوة لتحويل قنبلة سكرية إلى وجبة ذكية

- 151

تتجدد الفرحة وتُبعث الآمال في قلوب الأسر مع كل دخول مدرسي؛ إذ يعود الأطفال إلى مقاعد الدراسة محمَّلين بالحقائب والأحلام. وفي خضم التحضيرات للزي المدرسي والكتب والأدوات، يغفل كثير من الأولياء نقطة جوهرية لا تقل أهمية، وهي الوجبة الخفيفة التي ترافق الطفل يوميا إلى المدرسة أو ما يُعرف بـ"اللمجة"، التي غالبا ما تهمَل وسط زحمة الحياة اليومية. وبينما يميل كثير من الأولياء إلى وضع قطعة "قاطو" وعصير في محفظة الطفل، فإن هذه العادة البسيطة قد تكون وراء العديد من المشاكل الصحية والدراسية التي تواجه التلاميذ.
ورغم بساطة الظاهرة إلا أن هذه الوجبة تشكل عنصرا أساسيا في قدرة الطفل على التركيز، والتعلم، والاستيعاب، بل وفي حالته النفسية والمزاجية خلال ساعات الدراسة الطويلة، لتتحول من عادة يومية إلى عادة مضرة. ولسنوات عديدة اعتاد الأولياء على تزويد أطفالهم بقطع من الحلوى الصناعية، أو كعك محشو بالسكر والمواد الحافظة، إضافة إلى عصائر معبأة في عبوات ملوّنة توهمنا بأنها "طبيعية"، في حين أنها تحمل في داخلها خليطا من السكريات البسيطة والنكهات الاصطناعية، هذا الاختيار وإن بدا مريحا وسريعا، إلا أن آثاره السلبية تتراكم مع الوقت، وقد لا ينتبه لها الأهل إلا بعد فوات الأوان.
وفي هذا السياق، كان لـ"المساء" حديث مع المختصة في التغذية العلاجية للأطفال، رانية بوغالم، التي أكدت أن "ما نراه اليوم من تراجع في التركيز، وفرط في النشاط أو العكس وحتى حالات السمنة المبكرة، لا يمكن فصله عن نوعية الأغذية التي يستهلكها الطفل خلال يومه الدراسي" . وتضيف: "للأسف، اللمجة تحولت اليوم إلى مجرد قطعة سكر تعطي طاقة مؤقتة، يليها تعب مفاجئ، وانهيار في التركيز! ".
السكّر السريع.. وتراجع النشاط
عند تناول الطفل حلويات مصنّعة أو مشروبات غنية بالسكر يرتفع مستوى السكر في دمه بسرعة؛ ما يعطيه دفعة مؤقتة من النشاط. لكن هذا الارتفاع يتبعه هبوط مفاجئ، يؤدي إلى فقدان التركيز، والتعب، وأحيانا السلوك العدواني أو الانطوائي، وهذا ما قد يؤثر كثيرا على تحصيله الدراسي، وقدرة استيعابه لما يتلقاه من معلومات في القسم.
وتؤكد بوغالم: "إن المعادلة واضحة: ما يدخل جسم الطفل ينعكس على دماغه، وسلوكه. فالطفل لا يحتاج طاقة لحظية بل يحتاج تغذية ذكية توفر له طاقة مستدامة، تحافظ على توازنه طوال اليوم الدراسي، وتسمح له بالشعور بالشبع خلال تلك الفترة الى حين وجبة الغَداء الكاملة. فتلك الوجبات الخفيفة لا تُشبع ولا تغني من جوع، بل هي وجبات تمنح لذة مؤقتة، وتزول مع انتهائها مباشرة".
وبخلاف ما يشاع، تؤكد الأخصائية: "لا يتطلب إعداد وجبة مدرسية صحية ميزانية كبيرة، أو وقتا طويلا، بل يكفي بعض التنظيم فقط، ومجموعة من البدائل البسيطة المتوفرة في كل بيت جزائري؛ مثل قطعة من فطير القمح الكامل أو ما يُعرف بالكسرة المحضَّرة في المنزل، وبعض التمر الطبيعي، الذي يُعد من أغنى الأغذية بالطاقة والمعادن، أو فاكهة موسمية كبعض قطع التفاح أو العنب حسب الموسم، أو كمية معتدلة من المكسرات أو الزريعة مثل زريعة دوار الشمس، أو زريعة اليقطين دون ملح مضاف، أو بسكويت منزلي من الشوفان، أو كرات الطاقة المصنوعة من التمر والفول السوداني. هذه المكونات لا تمنح، فقط، طاقة مستدامة، بل تساعد، أيضا، في تنظيم السكر في الدم، وتحفيز التركيز، ومنع الجوع المفاجئ خلال ساعات الدوام.
العودة إلى البساطة هي الحل
وتقول الأخصائية: "نحتاج للعودة إلى عادات أمهاتنا وجداتنا؛ فالبساطة والاعتدال في التعامل مع صحة الطفل ضرورية. وهو لا يحتاج لألوان زاهية على العلبة، بل لمحتوى صادق داخلها؛ فهناك فرق كبير بين أن تعطيه قطعة بسكويت مصنّعة وأن تمنحه بسكويت منزليا يحمل الحب، والاهتمام". وتشرح: " فاللمجة لا بد أن تكون اهتماما بالصحة، وأولوية، لا هامشا لإرضاء الطفل دقائق معدودة. ففي خضم الضغوط اليومية قد يهمل الوالدان مسألة اللمجة، ويحسبونها من التفاصيل، لكن في الحقيقة هي مفتاح يوم دراسي ناجح. وهي الفرق بين طفل مرهَق يرغب في النوم في الحصة الرابعة ويتكاسل مع نهاية الفترة الصباحية، وآخر نشيط ومقبل على العلم".
وفي الأخير شددت رانية بوغالم على أن الوجبة الخفيفة اليومية للطفل ليست مجرد "أكل" يسد الجوع، بل هي قرار تربوي وصحي بالغ الأثر؛ قالت: "العودة إلى الخيارات الطبيعية البسيطة، قليلة السكر والغنية بالقيمة الغذائية، هي خطوة صغيرة من وليِّ الأمر، لكنها قد تصنع فرقا كبيرا في حياة التلميذ".