تُعد من أشهر الأكلات بالغرب الجزائري وكسبت رواجا عالميا
"الكرانتيكا" طبق شعبي تحدى كل الأذواق بـ"حارّه" وحرارته

- 825

طبق "الكرانتيكا" أو ما يُعرف، أيضا بالعامية وسط سكان مدينة وهران، بـ "الحامي" دلالة على سخونة الطبق، من أبرز الأطباق الشعبية التي تقاوم التطور ومنافسة باقي الأكلات المحلية والشرقية، ليبقى هذا الطبق الأكلة المفضلة للطبقات المتوسطة. كما يُعد طبق جميع العائلات والفئات الاجتماعية، التي تفضل اقتناءه، لا سيما خلال وجبه الغَداء.
ذاع صيت طبق "الكرانتيكا" وسط سكان منطقة وهران والغرب الجزائري بمنظره الحامل للون الحمص الأصفر، والبيض المحترق فوقه، داخل طبق حديدي.
يُعد من الأطباق الشعبية التي تلقى إقبالا كبيرا، وتوسعا خاصة بالأحياء التي لا تكاد تخلو من وجود محل لبيع "الكارنتيكا"، فيما انتشرت هذه المحلات أمام المؤسسات التعليمية، والأسواق الشعبية، وأمام المصانع والشركات الكبرى؛ في صورة تؤكد التمسك بالطبق التقليدي، الذي اختلفت الروايات في أصوله، وكيفية ظهوره بين مؤكد أنه طبق وهراني بامتياز، وبين من يذهب إلى أبعد من ذلك؛ أي أنه طبق مستورد من وراء البحار، غير أن ما يُجمع عليه الباحثون وممتهنو بيع "الكارنتيكا"، أن تاريخه يعود لفترة التواجد الإسباني بالجزائر، وبالضبط بمنطقة الغرب الجزائري؛ حيث حاصر جنود المسلمين أحد الحصون الإسبانية. وبعد مرور أيام وانتهاء المؤونة داخل الحصن الإسباني لم يبق سوى منتج الحمص، فقام أحد الطباخين بسحق الحمص، وإضافة الماء، ووضعه داخل الفرن.
وبعد دقائق انتشرت رائحته الزكية، فاندفع الجنود من شدة الجوع على الفرن للأكل؛ ما دفع الطاهي للصراخ باللغة الإسبانية "كليانتي"؛ يعني ساخن، وهي الكلمة التي سمعها بعض العرب ممن كانوا داخل مطبخ الطاهي، والذين أخذوا الكلمة، ومنه انتشرت تسمية الأكلة "كرانتيكا".
غير أن الطبق بعد تحضيره كان يخرج شبه صلب من الفرن؛ لذلك تم إضافة البيض والزيت والملح، لنحصل في الأخير على طبق "الكارنتيكا"، الذي يُعد أزهد طبق حاليا؛ ما يجعله أكلة الطبقات الهشة والمتوسطة.
"الكارنتيكا" تصبيرة الكثيرين التي لا تعوَّض
في جولة بأحياء وأسواق مدينة وهران، تلاحظ أنه لا يمكنك أن تمر بدون أن تشتم رائحة "الكارنتيكا"، التي ارتبط اسمها بعدد من الباعة منذ سنوات؛ على غرار "عيبوط" بحي المدينة الجديدة، الذي امتهن بيع "الكارنتيكا" منذ أكثر من 30 سنة، والذي يعرفه سكان مدينة وهران، ويقبلون على شراء أكلته التي لا تفارقهم خاصة قبل ساعة الغداء.
ويؤكد عدد من المقبلين على محل بيع "الكارنتيكا"، أن رائحتها الزكية وسخونتها تدفعان للعودة يوميا لأكلها، خاصة أنها "تصبيرة"، تؤكل قبل موعد الغداء في حدود الساعة الحادية عشرة صباحا، وهو التوقيت الذي يجعل أغلب الشباب يقبلون على أكل "الكارنتيكا".
كما إنها مقصد كثير من التلاميذ مباشرة بعد الخروج من المدارس والمتوسطات والثانويات، قبل توجههم نحو منازلهم لأكل وجبة الغداء. ويوضح التلاميذ أن لذة "الكارنتيكا" وثمنها البخس من بين أسباب اقتنائها يوميا.
عصير الليمون لا غنى عنه و"الكمون" للوقاية والهريسة للذوق
أكد الحاج ميلود أحد باعة "الكارنتيكا" بحي بلانتير، أنه يمارس المهنة منذ أكثر من 30 سنة، مشيرا إلى أن بعض التجار ورّثها إبناءه؛ لهذا، بقي، حسبه، طبق "الكارانتيكا" مفضلا لسكان وهران وزوارها القادمين من مختلف ولايات الوطن ومن خارجه، وحتى السياح الذين يقبلون على أكلها؛ بفضل الترويج لها كطبق وهراني عبر الفنانين، ووسائل التواصل الاجتماعي.
وأوضح المتحدث أن الطلب على "الكارنتيكا" يعرف توسعا بانتشار محلاتها عبر الأحياء في ظل التوجه نحو إضافة بعض المحسنات على الطبق التقليدي؛ كإضافة الجبن في تحضير الطبق وفق طلب الزبائن، غير أن أغلب الباعة لا يقدِمون على ذلك، فيما يقوم آخرون بإضافة مسحوق الخبز اليابس ضمن مسحوق الحمص؛ لجعل الطبق أكثر سمكا، وهذا ما لا يطابق مكونات الطبق الأصلي، الذي يفقد بذلك ذوقه ولونه، إلى جانب أن هذا الفعل قد يضر بالمعدة لارتفاع نسبة العجين في الطبق، مؤكدا أن الزبائن المتعودين على شراء "الكرانتيكا" يعرفون ذلك؛ لكونهم يشترونها منذ سنوات من باعة محددين دون غيرهم، ويتنقلون من أماكن بعيدة لأكلها ولو مرة في الأسبوع.
كما كشف المتحدث أنه لا يمكن أكل "الكرانتيكا" بدون إضافة "الكمون"، الذي يُعد مضادا حيويا، يمنع الإصابة بالإسهال بعد تناول "الكرانتيكا" ساخنة. كما تُرفق الكرانتيكا بعصير الليمون، الذي يحضَّر داخل المحلات ويباع في أكياس، إلى جانب الهريسة، التي ارتبط تواجدها بـ"الكرانتيكا"، فيتم إضافة الماء للهريسة لتخفيف قوّتها وذوقها الحار، وتوضع داخل قطعة الخبز بلذتها وسخونتها بدون الإضرار بالمعدة.
كما كشف المتحدث عن الصعوبات التي يلقاها الباعة حاليا؛ بسبب ارتفاع ثمن الحمص المرحي وندرته؛ مما دفع إلى رفع ثمن بيع قطعة "الكرانتيكا" بالخبز إلى 30 و40 دج، وهو ثمن رغم كونه زهيدا، غير أنه يمنع بعض محبي "الكرانتيكا" من اقتنائها يوميا؛ على غرار التلاميذ والشباب، إلى جانب ندرة الزيت في بعض الأحيان، وارتفاع أسعار البيض كذلك.
ربات بيوت يتفنّن في تحضير "الكرانتيكا"
لم يعد تحضير طبق "الكارنتيكا" حكرا على الباعة وممتهنيها من أصحاب محلات الأكل السريع؛ حيث انتشرت ظاهرة إعداد الطبق بين ربات البيوت، بوجود كامل متطلبات تحضير الطبق؛ من مسحوق الحمص والزيت والبيض، وهو الخليط الذي يبقى في متناول ربات البيوت.
وقد انتشرت عبر وسائل التواصل الاجتماعي وصفات تحضير "الكرانتيكا"، والتي رغم بساطة تحضيرها تبقى صعبة على عدد من ربات البيوت. وتؤكد العديد من النساء عدم حصولهن على الطبق الأصلي بلونه ومذاقه، كالذي يُعرض من الباعة.
وبخصوص ذلك يوضح أحد الباعة بحي مرافال، بأن أغلب ربات البيوت لا يتوصلن لإعداد الطبق الأصلي؛ بسبب تركيبة ومقدار المواد المستخدمة في تحضير "الكرانتيكا"؛ فإلى جانب الفرن المستخدم في تحضير الطبق، غالبا ما تستعمل ربات البيوت الأواني الحديثة والزجاجية، غير أن تلك المصنوعة من مادة القصدير أو الحديد هي أحسن فرن لطبخها. كما يُعد الطهي على الحطب أحسن من استخدام الغاز الطبيعي أو غاز البوتان لطبخ "الكرانتيكا"؛ لأنه يترك لذة خاصة في الطبق.