نشاطه بات محدودا مؤخرا
الكاتب العمومي مهنة مهددة بالزوال

- 3040

تسير مهنة الكاتب العمومي في الأماكن العمومية إلى الزوال بشكل تدريجي، بعد أن أصبح ممتهنوها يعدّون على الأصابع، بالنظر إلى التراجع الكبير في مستوى الأمية بالمجتمع الجزائري، بعد أن كان الكاتب العمومي في السنوات السابقة عبارة عن عملة صعبة لا يمكن الحصول عليها، إلا بشق الأنفس.
الكاتب العمومي الذي لا يزال يسجل تواجده على مستوى بعض الأماكن العمومية، مثل المقاهي، بات نشاطه محدودا، أمام التطور الحاصل في مجال الاتصالات، وكذا التراجع الكبير في معدل الأمية بالجزائر، وظهور تقنيات جديدة عبر شبكة الأنترنيت أضحت تساعد أي شخص على تحرير طلبات إلى مؤسسات، غير أن نشاط الكاتب العمومي لا يزال منتعشا إلى حد ما بالنسبة لطلبات تسوية وضعية التقاعد الخاصة بالعاملين في الدول الأجنبية.
نشاط مربح في تراجع مستمر
النشاط الذي كان يمارسه الكاتب العمومي خلال السنوات العشرة الماضية، كان يعد مصدر ربح كبير لممتهني "الكتابة العمومية"، حيث كان الحصول على موعد لديه، ليقرأ رسالة وردت من هيئة رسمية خارج الوطن، يتطلب الانتظار لأيام عديدة، قبل أن يتم الرد على المراسلة التي كثيرا ما تتعلق بتسوية وضعية معاشات العمال الجزائريين الذين كانوا يشتغلون في بلاد المهجر.
ويؤكد محند، وهو أب لـ5 أولاد، أنه كان يعمل في فرنسا، وحتى استطاع أن يسوي وضعية معاشه، تطلب منه الأمر أزيد من ستة أشهر بين ذهاب وإياب للكاتب العمومي، حتى يطلع على جميع وثائق عمله، بالتالي يباشر مراسلة الجهات الوصية وإرسال الوثائق اللازمة، وهو أمر يتطلب الكثير من الوقت، أمام العدد الكبير من الأشخاص الراغبين في تسوية وضعية معاشهم الخاصة بالتقاعد، وتواصل عملية تجديد الوثائق الخاصة بالتقاعد كل سنة، لاسيما فيما يخص شهادة الحياة التي توقع من قبل المعني على مستوى مصالح الحالة المدنية.
ويضيف قائلا: "الكاتب العمومي المتخصص في مراسلة الهيئات المكلفة بتسوية وضعية المعاشات بالنسبة للمواطنين الذين اشتغلوا في بلدان المهجر، كان يجني الكثير من المال، فبمجرد كتابة رسالة بخط اليد لا يتجاوز عدد أسطرها عشرة، يجبر صاحبها على دفع أزيد من 1000 دينار، وفي كل مرة يأتي شخص ليستفسر عما تحمله أية برقية مستعجلة، إلا ويدفع للكاتب العمومي المزيد من المال.
كتّاب عموميون بمراكز البريد
المراكز البريدية هي الأخرى تعرف مداخلها وجود كتاب عموميين، يقومون بملء الصكوك البريدية للمتوافدين إلى المراكز البريدية، إضافة إلى ملء البيانات الخاصة ببعض الزبائن في الحوالات البريدية، وحتى بعض الطلبات الكتابية التي تودع على مستوى المكاتب المتخصصة، لكن هذه المرة الكاتب العمومي عبارة عن رب أسرة متقاعد وجد في هذه المهنة رزقا يضمن به توفير مداخيل إضافية، لاسيما أن مقابل ملء صك بريد شخص واحد يتلقى 20 دينارا، وقد يرتفع الثمن، حسبما يجود به كل شخص.
ويؤكد سعيد، وهو أحد الطلبة، صادفته "المساء" بأحد المراكز البريدية ببومرداس، أن أغلبية المراكز البريدية باتت تتوفر على كتّاب يقومون بملء الحوالات البريدية، وكذا الصكوك بأثمان صحيح أنها زهيدة، لكن إذا حاولنا مقارنتها بعدد الزبائن الذين يتوافدون على الكاتب لملء ولو صك بريدي، فقد يصبح الثمن جد مغر.
ويضيف محدثنا قائلا؛ "الكثير من الكتاب اتخذوا مكانا لهم أمام مداخل مركز البريد، يعملون كموظفين دائمين بالمراكز البريدية، والأمر الذي قد يثير الاستغراب، هو توافد الشباب على ملء صكوكهم البريدية عن طريق هؤلاء الأشخاص.
المقاهي تجمع الشمل
أغلبية الكتاب العموميين ليس لهم مكاتب متخصصة لممارسة مهنتهم، فمعظمهم يتجمعون على مستوى مقاه معينة، كي يسهل الاستدلال عليهم من قبل الجميع. والأكيد أن أصحاب المقاهي ليس لديهم أي مانع، كون جلب أكبر عدد من المتوافدين على الكاتب العمومي يساهم بقدر كبير في نشاط تلك المقاهي.
ويؤكد الحاج موسى من بلدية دلس، شرق بومرداس، وهو أحد المتقاعدين الذين اشتغلوا في فرنسا، وهو أيضا أحد الزبائن الدائمين لدى كاتب عمومي يشتغل لوحده على مستوى المنطقة، "أن المكان الذي يتم فيه العثور على الكاتب العمومي بالمنطقة، هو أحد المقاهي المتواجدة بوسط المدينة، فقد استطاع أن يتحكم في مراسلة الهيئات المختصة في تسوية المعاشات في فرنسا، بالنظر إلى تجربته الطويلة في الميدان، ودرايته الكبيرة في مجال القوانين التي تحكم تسيير معاشات العمال الذين اشتغلوا في دول المهجر". ويضيف محدثنا أن الكثير من شباب الجيل الحالي الذين يحوزون على مستوى دراسي، حاولوا كثيرا ممارسة مهنة الكتابة العمومية، غير أن خبرتهم القليلة جعلتهم يعدلون عن قرارهم، وكذا احتكار هذه المهنة من قبل شخص واحد في المنطقة، وهو الأمر الذي بات يهدد بزوالها.