تقاليـد أوراسية متميزة في إعداد أطباق عيد الأضحى
"الشواء" و"البولفاف" و"البوزلوف" و"الشخشوخة" أسياد موائد الشاوية

- 601

لاتزال بعض العائلات الأوراسية محافظة على تقاليد المنطقة في إعداد أطباق عيد الأضحى بوفاء كبير، وهو الموروث المرسخ في الذاكرة الجماعية الذي يختزل مدلول الحضارة والانتماء؛ في تحدّ كبير لما تتطلبه الاحتفالات ومتطلبات الحياة الحضرية. "المساء" رصدت جوانب مهمة في طقوس ومظاهر الاحتفال بعيد الأضحى المبارك، في أجواء تعبق فيها التوابل الشهية برائحتها الزكية.
يقتصر يوم العيد بعد النحر على إعداد أطباق الشواء، في حين تُبقي العائلة على الأضحية كما هي لليوم الموالي حتى تجفّ، لتحضّر منها لاحقا بعد التقطيع، أطباق الكسكسي، والشخشوخة، وتجتمع أفراد الأسرة على طاولات العشاء والغداء، وتتوالى زيارات الأهل للتغافر.
طقوس العيد وفق التقاليد
تنفرد الأوراس بخصوصيات تميزها عن باقي مناطق الوطن في التحضير للاحتفال بعيد الأضحى. ويتم اقتناء أضحية العيد وفقا لعادات وتقاليد الأجداد، من خلال التركيز على اختيار الكباش ذات القرون؛ نزولا عند طلبات الأبناء، وهي الأضحية التي توضع عليها الحناء؛ تيمنا بها.
وقالت السيدة يمنية البالغة من العمر 74 سنة، "إنَّ لعيد الأضحى طعماً مميزاً "، بعدما تحدثت عن التحضير للمناسبة، حيث تتسابق العائلات في اقتناء مستلزمات هذه المناسبة الدينية المقدسة؛ على غرار تجهيزات المشاوي والفحم، وشحذ السكاكين، وتحضير التوابل. ولن تكتمل طقوس التحضير للمناسبة إلا بعمليات تنظيف المنزل، وتعطيره. وأردفت أنه يتم تحضير لحم "الخليع" أو "القديد"، كما يحلو للبعض تسميته.
وهي عادة من عادات سكان المنطقة الموروثة أباً عن جد، حيث يتم حفظ اللحم بعد إغراقه بمادة الملح، في أوان؛ سواء نحاسية ومصنوعة من الطين، لاستعماله، لاحقا، في فصل الشتاء في أطباق "البركوكس" وما يُعرف في المنطقة بـ "العيش"، الذي يتم إعداده من فتيل الدقيق بإحكام، بمهارات أنامل المرأة الشاوية من مادتي القمح أو الشعير حسب الاختيار. ويحضَّر بحبات الفول المجفف و "الفرماس"ـ وهو مشمش مجفف ـ والحمص، فضلا عن مادة "الكليلة"، وهي مادة تُصنع من اللبن بعد تسخينه وتجفيفه في شكل حبات مستديرة صغيرة، تضفي طعما آخر لـ"البركوكس" ، ويتميز بطعم خاص كلما حُضر بالفلفل الحار اللاذع.
"الشخشوخة " سيدة أطباق سكان بريكة
تُعد "الشخشوخة" سيدة أطباق سكان مدينة بريكة التي تقع على بعد 88 كلم جنوب باتنة، حيث تتفنن المرأة البريكية في إعدادها. ويسود الاعتقاد أن الشخشوخة موطنها بريكة دون منازع رغم أن المرأة الشاوية هي الأخرى تتقن إعدادها. ويكمن الاختلاف في تحضير التوابل المخصصة لطهوها.
ويعرض باعة التوابل لحم "الخليع" المجفف بسوق "الرحبة" ، بكميات كبيرة. ويعرف إقبالا من ربات البيوت لاستعماله في المناسبات المختلفة للضيوف؛ حيث تتفنن المرأة البريكية في إعدادها دون منازع. ويكمن الاختلاف عن باقي أنواع الشخشوخة في المناطق الأخرى، في إعداد التوابل المخصصة لها. وهناك أنواع عديدة للشخشوخة؛ أهمها شخشوخة أم الرزايم، وهي كسرة تحضَّر بالماء والملح. وتُهرس مباشرة بعد طهوها، بطاجين مصنوع من مادة الطين على خلاف "لمسمن" الذي يحضَّر على "طاجين" من حديد. ثم تُهرس الكسرة في مهراس؛ سواء نحاسي ومصنوع من مادة الحطب. وتُقطع إلى أجزاء صغيرة، ثم تقدَّم بمرق الخليع. ولا تخلو هذه الأطباق من مادة الدهان الحار الذي يزيد من ذوقها المميز.
البولفاف" و"البوزلوف".. ذوق فريد في يوم متميز
يُعد "البولفاف" من أهم الأطباق التي تحضّرها العائلات الأوراسية بعد صلاة العيد مباشرة، وبعد نحر أضحية العيد. وتتولى المرأة الشاوية بعد عمليتي سلخ الضحية وتنظيفها، تحضير الأطباق المختلفة؛ طبق "البولفاف" الذي يحضَّر من كبد الأضحية بالعديد من المناطق، وتتفنن في إعداده المرأة الشاوية خصوصا بالمنطقة الشرقية.
ويهيأ "البولفاف" ، وهو عبارة عن قطع صغيرة ومربعة من الكبد مشوية وملفوفة بالشحم الذي يغلّف أحشاء الأضحية، حيث توضع العديد من قطع الكبد الملفوفة بالشحم في لواقط الشواء، ليصبح متماسكا. ويتمّ وضعها على نار هادئة، من الأفضل أن تكون تحت الجمر، تذيب الشحم على الكبد، ويتم طهوه وسط رائحة زكية، ليقسَّم على أفراد العائلة، ولتكمل بعد ذلك ربة البيت نشاطها بالشروع في تنظيف باقي أجزاء الأضحية من "بوزلوف" و"دوراة" وغيرها بمعية الفتيات الشابات، خاصة المقبلات على الزواج، لتعليمهن طرق تنقية وتنظيف أحشاء أضحية العيد لتكون قادرة على العملية ببيت زوجها مستقبلا. أما "البوزلوف" الذي يحضَّر في اليوم الأول بعد تشويط رأس الأضحية، فيقسَّم ويوضع بالثلاجة لاستعماله لاحقا، حسب عادات وتقاليد كل عائلة.
"المسلان" ... سيد أطباق ثاني أيام العيد
هذا الطبق من أهم المأكولات التي تحضَّر في ثاني أيام العيد لتزيين المائدة الأوراسية، ولمِّ شمل العائلات التي تجتمع في مأدبة غداء. وهو تقليد لما اصطُلح بالمنطقة على تسميته بـ "الكتف" ، الذي يجمع أكبر عدد من أفراد العائلة الكبيرة.
ويتمّ تحضيره كلية كقطعة واحدة دون تقسيمه، مع "البربوشة" أو الكسكسي. وهناك من العائلات من تستعمله في "الشخشوخة"، على أن يُطبَخ في قدر كبيرة مليئة بمختلف أنواع الخضار الطازجة، خاصة الموسمية كالكوسة الصغيرة التي تقسم إلى قسمين فقط، والبطاطا بمرق أحمر من خلال استعمال التوابل والطماطم المصبرة، والحمص، ليجزأ بعد طهوه جيدا إلى أجزاء تقدَّم فوق الكسكسي. وفي الغالب توجَّه دعوات إلى كبار الأهل والأقارب؛ لتناوله في أجواء بهيجة.
وتعكس هذه اللمة على أطباق "المسلان" ، قيم الكرم والجود والمحبة. ولا تغدو سوى مجرد عادة متوارَثة عن الأجداد، اعتبارا للقيم السمحاء للدين الإسلامي في هذه المناسبة الدينية للتصالح والتسامح والتغافر. وتمتد لإبراز صور تضامن الجيران، ومشاركتهم فرحة النحر؛ في أجواء احتفالية لا تخلو من ذكر الله، وشكره، والثناء على نعمه.