له دلالات عديدة في ثقافة الطوارق
الشاي جزء لا يتجزأ من عادات ولاية تمنراست

- 5900

يكتسي الشاي أهمية مميزة لدى أهلنا في الجنوب الكبير وخصوصية لدى أهل تمنراست، فعادة احتسائه في هذه المنطقة لها دلالات عديدة تعكس جانبا من العادات الراسخة للسكان الذين يعتبرونه مظهرا لحل الأزمات، الترحيب بالضيف، كمظهر الجودة والكرم لدى سكان تمنراست.
يحتل هذا المشروب أهمية كبيرة عند السكان، هذا ما لاحظته «المساء» خلال تجوالها في مدينة تمنراست، إذ أنه له خاصيات عديدة تميزه عن الطهي العادي. فمن ينطق بكلمة «شاي» في تلك المنطقة، كأنه طلب عادة لا يمكن تجزئتها من تلك المنطقة.
فلا يمكن التفريق بين كلمتين في بلادنا هما «الصحراء» و«الشاي»، فبكليهما يمكن وصف جنوب الوطن، إذ لا يغيب الشاي الأخضر أبدا عن الجلسات سواء العائلية أو بين الأصدقاء أو حتى خلال الاجتماعات المهنية لحل مشكل أو فك نزاع في قضية معينة.
«سلطان المايدة» هي التسمية التي يطلقها سكان المنطقة على إبريق الشاي، لما لها من سحر يضفيه على القعدة بين الأصدقاء والأقارب، في أباريق تتميز بالبساطة، ألوانها تتنوع بين الأخضر، الأزرق والرمادي، يلتف حولها عدد من الناس الذين يتأملون فيها وهي تحترق وسط تلك النيران التي تشتعل في الفحم والحطب التي يختارها الطاهي، وهي أعواد خشبية يابسة مختلفة الأحجام، يحرص الرجل «الترڤي» على إبقائها مشتعلة لساعات طويلة، حتى يغلي الشاي مرات عديدة على نار هادئة، ذلك هو السر في مذاقه الرائع، حسبما أكده بعض الطوارق الذين كان لنا حديث معهم.
يستهلك الشاي الأخضر على مدار اليوم، ولا ينتظر الرجل الترقي مناسبة معينة أو وقتا محددا ليحتسي «شايه»، في كؤوس زجاجية صغيرة، كأنها جرعات محددة لا تحتسى بكميات كبيرة، لكن باعتبار الاحتساء المتكرر لهذه الكؤوس في اليوم الواحد يصل إلى معدل استهلاك الرجل «الترڤي» للشاي إلى 15 كأس شاي في اليوم الواحد.
اقتربنا من السيد محمد زنغة، صاحب وكالة سياحة وسفر بمدينة تمنراست، وهو فرد من أشهر العائلات العاملة في المجال السياحي منذ القدم، جمعنا حول قعدة «شاي» على الساعة الثالثة صباحا، ليقص لنا ميزة تلك القعدة في أحضان الصحراء.
كانت السكينة تعم تلك المنطقة على بعد 80 كيلومترا على مدينة تمنراست، لا يضيء تلك الليلة إلا ضوء القمر الذي تحيط به آلاف النجوم، بين حنين الرمال وخشونة الصخور، جلينا في مجموعة تحت درجات حرارة جد منخفضة لا يدفئ أجسامنا إلا النار التي اشتعلت من أجل طهي الشاي، كل ينتظر كأسه لتذوق روعة الشاي في تلك المنطقة.
ترددت على مسامعنا عبارة واحدة وهي «شحال معاود»، لم يفهم العبارة إلا من سأل عنها، وذلك ما قصد به عدد المرات التي أعيد غلي المشروب، والمقصود بذلك هو وضع كمية من الشاي في الماء وغليها، ثم تقديم الشاي لمجموعة من الرجال، ليعاد إضافة الماء للشاي المطهي، ثم يغلى مرة أخرى، ويصبح هذا الأخير أقل حدة من الغلية الأولى، وهنا يقدم لمجموعة من النساء، ثم بعدها يغلى للمرة الثالثة ويقدم للصغار أو لمن يحبون احتساءه «خفيفا».
ويشرح محمد أن لتحضير الشاي طقوس معينة، إذ يلزمه على الأقل 45 دقيقة حتى يكون جاهزا، موضحا أن أهل تمنراست من الذواقين للشاي، لذلك لابد أن يتم تحضير المشروب جيدا «فهو بالنسبة لهم لا يعد مجرد مشروب يحتسيه الفرد وإنما هو جزء من العادات التي تلعب دورا كبيرا في حل المشاكل أو الترحاب بالضيوف وغيرها..»
السر في تحضير الشاي، حسب محمد، لا يكمن في نوع الشاي أو العلامة التجارية المستعملة، وإنما هو السر في التحضير والاهتمام الكبير الذي يولى له أثناء الطهي، فهي توليفة يتقنها «الترڤي» بين كمية الشاي، السكر والنار الهادئة التي تجعل مذاقه جد مميز.
أشار محمد إلى أن الشاي مرتبط بثقافتنا، لكن يظهر ذلك بشكل أكبر في المدن من جنوب الوطن، على غرار مدينة تمنراست، حيث لا يستطيع سكان تلك المنطقة الاستغناء عنه، مما جعل العديد من الشباب يستثمرون في هذا المجال، بالتالي يتفرغون لمعرفة أسرار تحضيره ويبيعونه.