ترسيخا للهوية وتثمينا للذاكرة الوطنية
السياحة التاريخية.. رحلة بين ثنايا الزمن

- 902

تزخر الجزائر بالكثير من المؤهلات السياحية، التي تجعلها من أجمل الوجهات السياحية حول العالم، فهي دولة بحجم قارة، تتوسط العالم تقريبا، لديها معالم استقطاب فريدة من نوعها، فهي تجمع كل ما يبحث عنه السائح المحلي والأجنبي. اعتدال مناخها يمنحها الأفضلية في التنويع بين السياحة الجبلية، الصحراوية، والعلاجية بين حماماتها الطبيعية المتعددة، مرورا بالسياحة الاستجمامية، بفضل شريطها الساحلي وشواطئها الخلابة، بعضها عذراء جميلة، بصفائها ونقاوتها، إلى جانب غناها بالثروة السمكية والشعب المرجانية، كما تمتاز بأحد أكثر المؤهلات السياحية استقطابا في العالم، وهي السياحة التاريخية، التي لا تقل أهمية عن غيرها، كونها عامل فعال في الحفاظ على التراث الثقافي للأماكن.
يستمتع السائح عند التنقل بين هذه العوالم الجميلة، لاستكشاف المعالم التي تحمل قصصا وثقافات ماضية، خلدتها القصص والروايات والأساطير التي تحكي تفاصيلها المثيرة، لاسيما أن تاريخ الجزائر حافل بالمحطات وشاهد على مجد ثورته وثواره، لشعب أعطى الدروس في الحرية، تعلمت منها شعوب العالم.
الوقوف على أعتاب الماضي، وما كان من الأسلاف، من محفزات السفر للكثير من عشاق التاريخ، هؤلاء المولعين بفهم وتحليل بنية الحضارات، في محاولة لالتقاط تلك اللحظة السحرية، عند الوقوف أمام الشواهد والبقايا أو ما ظل صامدا منها من معالم وبنايات، شيدت قبل قرون، البعض منها لا يزال يشكل غموضا مثيرا للاهتمام، ومحط دراسة العديد من المختصين في التاريخ والجيولوجيا، لاسيما عند تلاقح الثقافات بين الماضي والحاضر، والتي اختفى قديمها ولم يبق إلا بعض الآثار منها، يداعب المهتمين بالتاريخ ليشغل تفكيرهم، وكأن الزمن محى غالبيتها ليترك جزء منها فقط يشهد على ما عاشته الأمم في قرون مضت، وتبقى شاهدة عن تلك الحضارات الغابرة.
تشمل السياحة التاريخية في الجزائر، مجموعة واسعة من الأماكن عريقة الامتداد في الزمن، مدن كاملة تخفي بين أزقتها وشوارعها ألف قصة وقصة، مدن تاريخية، ومباني حضارات قديمة، رسومات على الجدران، دور عبادة من مساجد وكنائس، وساحات معارك، وقلاع وتحصينات، متاحف، وحدائق تاريخية، معالم تحاكي الثروة المجيدة، المرتبطة بتاريخ قديم، لحضارات مرت بالجزائر، واستعمار، كما يروي ثقافتها، عاداتها، تقاليدها، مهرجاناتها، فنونها، ونظامها، كلها من المعالم التي تستحق التجربة، والتي يجد فيها السائح لذة لتغذية فضوله الجميل في فهم كيف عاشت تلك الشعوب القديمة، وما عاشه أجدادنا، تجعل الزائر يكتنز ذكريات ثقافية وتاريخية عميقة، بزيارته لتلك المعالم التاريخية والأثرية والمتاحف، تشمل مجموعة من التجارب التي تثري تجربة السفر، وتساهم في الحفاظ على التراث التاريخي لتلك المواقع.
الجمال في حضرة الماضي
تعد السياحة التاريخية، رحلة إلى الماضي، ولمحبي تلك التجربة، تعد الجزائر واحدة من أحسن وجهاتهم، الأمر الذي جعل العديد من وكالات السياحة والسفر، تعتمد في عروضها الترويجية للوجهات المحلية، في الحديث والإشارة إلى تاريخ تلك المناطق، لتتغذى تلك العروض على الطابع الفريد لكل مدينة في الجزائر، بهدف استقطاب السائح المحلي، وكذا الأجنبي، العاشق لجمال الجزائر.
من شرقها إلى غربها، ومن شمالها إلى جنوبها، وبين كل ولاياتها، تضم الجزائر مئات المواقع التاريخية، والمعالم الثقافية، ساحات معارك وشواهد على حضارات قديمة، تحمل المعنى الواسع للسفر الاستكشافي، تحتفظ بآثار المدن القديمة الفينيقية، النوميدية، والرومانية، تدل على مكان ومكانة هذه المنطقة في تاريخ البحر الأبيض المتوسط، والتي كانت كذلك محط أنظار وإغواء لبعض المستعمرين.
السياحة التاريخية تثري القطاع
في هذا الصدد، قال أحمد أمين بن براهيم، صاحب وكالة "أمين اند غو" للسياحة والسفر، إن الجزائر غنية جدا بمؤهلات قد تفتقر لها الكثير من الدول السياحية، فتاريخها العريق والمتنوع، يجعل منها وجهة مثالية لعشاق الاستكشاف والمغامرات، فهي تروي عطش الجميع، لاسيما المولعين والمهتمين بالتاريخ، ومختلف الحقب الزمنية، فالتركيز على السياحة التاريخية، يمكن أن يساهم في إثراء القطاع السياحي الجزائري بشكل كبير.
وأضاف المتحدث في تصريح لـ"المساء"، أن وكالته تعمل بطابع خاص، إذ تعتمد برامجه أساسا على الخرجات المحلية الموجهة حصرا للشباب والأطفال، هؤلاء الذين تجد وسطهم الشغوفين والفضولين لفهم تاريخهم، مضيفا أنه يرتكز عند تسويقه لوجهة محلية، على معالمها التاريخية التي لا يمكن زيارة مدينة دون المرور بها، والحديث عنها، موضحا أن أكثر المدن التي يعتمد عليها في عمله، تيبازة، القصبة بالعاصمة وكذا بمدينة دلس في ولاية بومرداس، إلى جانب تيبازة، تيمقاد بباتنة، تلمسان، وهران وعين تموشنت، فكلها من المدن التي تزخر بالعديد من المعالم التي يمكنها أن تجمع بين السياحة الترفيهية، وأخرى ثقافية تراثية تاريخية، مشددا على أن الكثير من المدن الأخرى تحمل بكل فخر، معالم تاريخية أخرى، ليست أقل أهمية مما سبق ذكره، بل سحر بعضها يجعل السائحين ينتقلون من ربوع العالم، لاستكشافها.
فرصة لتطعيم الشباب بالروح الوطنية
أكد المتحدث، أن الاعتماد على هذه المعالم بهدف الترويج للسياحة المحلية، أمر مهم جدا، خصوصا أن الشباب والأطفال لهم قابلية استيعاب المعلومات بطريقة ممتعة، إذ يمكن أن يتم ذلك من خلال طرق مبدعة ومسلية، يجمع حينها الشخص بين المتعة واكتساب المعرفة.
أوضح بن براهيم، أن الوكالة تنظم خلال كل مناسبة وطنية، خرجات خاصة، موجهة للشباب والأطفال، من خلال عقود بين الوكالة والدور التعليمية والتربوية الخاصة، مثل ذكرى "الفاتح نوفمبر 1954"، و"05 جويلية 1962" عيد ذكرى الاستقلال والشباب، إذ تعد هاتين المناسبتين من أعظم التواريخ المحفورة في الذاكرة الوطنية، والتي يمكن إحياؤها، من خلال تعريف الشباب ببعض تفاصيل تاريخه المجيد، وتعزيز الروح الوطنية لديه، وتحويل معطياته النظرية إلى معطيات يمكن ملامسة جزء منها، من خلال تنقله إلى ساحات المعركة، أو المتاحف الخاصة، ومشاهدة أعمال سمعية بصرية تمجد التاريخ الوطني، الأمر الذي يعزز لديه الثقافة التاريخية، ويكتشف من خلاله أبرز رموز الثورة التحريرية، حتى يتناغم ويذوب في المفاهيم والقيم النبيلة التي تحملها، ليكون المدافع الرئيسي عن الهوية والذاكرة الجزائرية.