عادات راسخة عند المقبلات على الزواج
الزّي التقليدي يفرض نفسه في جهاز العروس

- 2270

كان جهاز العروس في زمن مضى يحمل العديد من القطع التقليدية المعروفة بثرائها وتنوعها؛ إذ كانت النسوة يحاولن من خلال ذلك، المحافظة على جانب من الهوية والانتماء، إلا أن بعض تلك العادات باتت تعاني التراجع، لبحث النسوة عن الأشياء الأكثر عصرنة؛ تماشيا مع زمن الموضة، غير أن بعض المناطق لاتزال متمسكة بالموروث الثقافي؛ خوفا من زواله واندثاره وزوال تلك الهوية. كلما ابتعدنا كيلومترات عن العاصمة كلما اقتربنا أكثر من المناطق التي لاتزال تحافظ على عادات وتقاليد "زمان"، وبدرجة أكثر المناطق الريفية البعيدة عن المدن الحضرية، لنجد العائلات لاتزال تتمسك بموروثها الثقافي خوفا من زواله، إلى درجة أن الكبيرة في السن وسط العائلة، تبقى تلقّن الصغيرات أساليب العيش بطريقة تُبقي تلك العادات حية لا يمحوها قطار التطور، سواء في أساليب الطبخ أو اللباس أو حتى في مظاهر الاحتفال وغيرها. ولعل من بين تلك العادات المتوارَثة تجهيز العروس قبل فترة من زفافها، بألبسة بصفة عامة، وبقطع ديكور وأشياء خاصة بالبيت بصفة خاصة، هذه الأخيرة أصبحت اليوم اختيارية، وكأنها عادة تحارب الزوال، فبعض المناطق لاتزال تحافظ عليها في حين مناطق أخرى أخرجتها مباشرة من قاموسها، وباتت تصفها بغير المسايرة للموضة.
كان جهاز العروس يجمع كل الحرف والفنون على غرار الألبسة التقليدية، حيث تُبرز كل منطقة لباسها التقليدي؛ تلك الأزياء التقليدية الجميلة بألوانها، فضلا عن بعض القطع الأخرى من الصناعة التقليدية، كالنحاس، الفضة، الصوف وحتى الأثاث من الخشب وليس الحلي فقط، وإنما كقطع أخرى خاصة بالبيت مثل الصناديق، المقاعد الخشبية التقليدية للقعدات؛ الصينية، الفوانيس، الزرابي التقليدية، الحنابل، لوازم الحمام وغيرها. وكانت تلك العادات في أخذ بعض تلك القطع تبرز ثراء وتنوع الصناعة التقليدية المحلية والفسيفسائية التي تختلف باختلاف المنطقة من الوطن. وفي هذا الخصوص أوضحت الحاجة محرز آيت يحيى من عين الحمام بولاية تيزي وزو، حرفية في حياكة الجبة التقليدية منذ أكثر من 52 سنة، أنه "بات من المستحيل أن نلوم جيل اليوم في محاولته الخروج ومعاكسة بعض العادات، فذلك يعود لتفتّح الشباب على الغرب. وروح التقليد التي تراودهم تجعلهم يستميلون الحضارات الجديدة، وهذا ليس عيبا في الوقت الذي تبقى بعض العادات مع احترام من يحافظون عليها".
وأشارت الحرفية إلى أن العديد من المناطق البعيدة عن العاصمة، لاتزال تحافظ على جزء كبير من تلك العادات إن لم نقل كل العادات القديمة، وهي الحال بالنسبة لجهاز العروس، حيث قالت: "لاتزال الفتيات المقبلات على الزواج وباختيارهن، يقتنين موديلات كثيرة من جبة القبائل، تلك الجبة التي تعدت حدود المناطق القبائلية، فحتى فتيات من مناطق أخرى يقتنينها؛ حيث إنها تبقى جزءا من الهوية "الجزائرية". وعن باقي القطع من الصناعات التقليدية تقول الحاجة محرز: "منذ القديم للعائلات مبدأ واحد، فهم لا يشترطون مهرا كبيرا لبناتهم وإنما يطلبون "الهنا" فقط، هذا لا بد أن يجعل الرجل قادرا على تأثيث بيته بدون أن تشتري المرأة أي شيء للبيت، وإنما تكتفي بشراء ملابس لنفسها والصوف، وبطبيعة الحال ملابس تصديرتها، في حين الرجل يهتم بباقي الشؤون، ولا يطلب من المرأة أي شيء". وتضيف: "في حين اليوم بعض الفتيات يفضّلن اختيار بأنفسهن ما يردن من ستائر، زرابي، أفرشة، وأغطية وحتى في بعض الأحيان الأواني الخاصة بالمطبخ، ولوازم الحمّام وغيرها، هذا عكس ما تقوم به فتيات من مناطق أخرى".
واستنادا إلى الشاب رابح من ولاية قسنطينة 35 سنة، فإن الفتيات من تلك المنطقة يبحثن عن تأثيث منازلهن بأنفسهن، يشترطن مهرا لا بأس به حتى يتمكن من اقتناء العديد من الأشياء، وتبقى الصناعات الحرفية في لائحة مقتنياتهن، خصوصا القطع النحاسية، التي لا تتجزأ من ديكور كل بيت قسنطيني. وكعادة متوارَثة، يُعد من الضروري أن تنجح الفتاة في اقتناء أواني نحاسية سواء للطبخ أو لتزين بها بيتها. من جهته، أشار وليد، حرفي في صناعة الهدايا التذكارية من ولاية المدية، إلى أن كل شيء متوفر في السوق، ولم تعد الفتيات يحصرن مشترياتهن قبل الزفاف، وإنما يفضّلن اقتناء الضروريات فقط، كالملابس التقليدية وملابس الخروج، لتبقى الكماليات مباشرة بعد الزفاف، ومثل هذه التظاهرات الفنية الخاصة بالحرف التقليدية والصناعات اليدوية، بات من الممكن إيجاد كل ما تشتهيه في الأسواق والمعارض، التي تُعد مساحة لقاء الحرفيين في مختلف المجالات وكذا من كل الولايات. وعلاوة على ذلك يسمح هذا نوع من التظاهرات للنسوة باقتناء الأغراض التقليدية التي يحبّذنها، بأسعار معقولة مقارنة بأسعار المحلات المختصة.