آليات الكشف المبكر لصعوبات التعلم لذوي الاحتياجات الخاصة

الدعوة إلى تسريع تكوين أساتذة مختصين وتوظيفهم في المدارس

الدعوة إلى تسريع تكوين أساتذة  مختصين وتوظيفهم في المدارس
  • القراءات: 1709
❊رشيدة بلال ❊رشيدة بلال

يجري التفكير في المدرسة العليا للأساتذة بالعاصمة حاليا، في الكيفيات والسبل التي تسمح بتكوين أساتذة أخصائيين بذوي الاحتياجات الخاصة، استجابة لمطلب وزارة التعليم العالي القاضي بضرورة الاهتمام بالمشاكل التعليمية لهذه الفئة، ومن ثمة وضع حد لصعوبات تعلمها، وجاء الملتقى الوطني السادس الموسوم بـ«آليات الكشف المبكر لصعوبات التعلم ومدى تطبيق البيداغوجيا الفارقية لذوي الاحتياجات الخاصة"، الذي عرف مشاركة 40 أخصائيا نفسيا واجتماعيا، ليعرض جملة من الدراسات والتجارب الكفيلة بحل مشاكل تعلم من يعانون من صعوبات على مستوى مختلف الأطوار التعلمية.

عرض عدد من الأخصائيين والدكاترة في مجالات الأرطفونيا والإرشاد النفسي والأسري  والاجتماعي، بمناسبة مشاركتهم مؤخرا، في أشغال الملتقى الوطني حول "آليات  الكشف المبكر لصعوبات التعلم لذوي الاحتياجات الخاصة"، الذي احتضنته المدرسة العليا للأساتذة ببوزريعة، جملة من الدراسات والتجارب التي تعكس المجهودات المبذولة من طرف الأخصائيين في سبيل التكفل بمشاكلهم التعلمية، والتي تعد من أهم العوامل التي تقودهم إلى الفشل المدرسي، حيث أوضح في السياق، قدور عمران، مدير البحث العلمي بالمدرسة العليا للأساتذة، لدى تدخله، أن فئة ذوي الاحتياجات الخاصة شريحة تتمتع بالعديد من المؤهلات التي تتطلب وجوب التكفل بما تعانيه من صعوبات، لمساعدتها في العملية الاندماجية، وحسبه، فإن الغاية من الملتقى، هي الخروج بجملة من التوصيات التي من شأنها وضع آلية للتسريع في عملية تكوين أساتذة أخصائيين بهذه الفئة، لافتا إلى أن المدارس الجزائرية في أمس الحاجة لأساتذة يملكون إمكانيات علمية وبيداغوجية، من شأنها وضع حد لجملة المشاكل التعليمية التي تحول دون إمكانية اندماجهم في الوسط المدرسي وفشلهم.

أوضح المتحدث أن الجزائر متأخرة في مجال تكوين أساتذة أخصائيين للتكفل بصعوبات التمدرس لدى فئة ذوي الاحتياجات الخاصة، رغم وجود مراكز وجمعيات تقدم خدمات في المجال، وعليه "من الضروري تسريع بلورة المشروع، على الأقل حتى يكون لدينا بمعدل مجموعة من الأخصائيين في المدرسة الواحدة"، مشيرا إلى أن المدرسة العليا للأساتذة تفتح المجال واسعا للتكفل بعملية التكوين البيداغوجي والنفسي، الذي ينتظر تعليمات الوزارة الوصية".

تهميش المعلم لهذه الفئة عمق معاناتها

في هذا السياق، أوضحت الأخصائية في الأرطفونيا ورئيسة الملتقى، كريمة صيام، في كلمتها، أن الإشكالية التي يسعى الملتقى إلى مناقشتها تتمثل في مدى قدرة التشخيص المبكر في الكشف على صعوبات التعلم، أن يساعد على حلها والتكفل بها وتخطيها لتفادي الفشل المدرسي، خاصة أن فئة كبيرة ممن تعاني من صعوبات التمدرس لا تحضى بالاهتمام من المعلمين في المدارس، إنما يجري تهميشها وتوجيه كل الاهتمام إلى الفئة التي تتلقى سريعا، انطلاقا من هذا تقول "إن صعوبات التعلم يمكن للمعلم أن يلاحظها عند التلميذ ويلفت الانتباه إليها، لأن دوره في المدرسة هو الاهتمام بتطبيق المنهاج الدراسي وليس معالجة الحالة".

حسب الأخصائية الأرطفونية، فإن "حل صعوبات التمدرس يتطلب تطبيق البيداغوجيا الفارقية التي تهتم بالفروق الفردية، كمصطلح ظهر لأول مرة في 1973 على يد "لويس" الذي وضع هذا المصطلح، حتى يتمكن ذوو الاعاقة من مواكبة عملية التعليم والتعلم، غير أن بعض الأساتذة اليوم يجهلون هذه البيداغوجبا، ويجدون صعوبة في تطبيقها، الأمر الذي يتطلب، حسبها، التعريف بها، خاصة أن الصعوبات تظهر في التعليمين التحضيري والابتدائي، من ناحية، ومن جهة أخرى، نلفت انتباه المعلمين في السياق، إلى وجوب العمل بمختلف الأساليب والوسائل للسماح لشريحة ذوي الاحتياجات الخاصة بتجاوز صعوباتها.

الهدف من أشغال الملتقى، حسب الأخصائية، هو "حث الأستاذ على التكفل بهذه الفئة وإعطائها حقها من التعلم كغيرها، خاصة أن المقصود بالإعاقة التي تطرح مشكل صعوبة التعلم ليست منحصرة في الاعاقة الجسدية فقط، إنما قد تكون بسبب فرط الحركة أو ثقل في السمع أو ضعف في التركيز أو مشاكل عاطفية ونفسية.

اعتماد الأساليب العلمية يحد من صعوبات التعلم

سلطت الأستاذة نصيرة زاير، أخصائية في علم الاجتماع بالمركز الجامعي بتيبازة، من جانبها، الضوء على دور الأسرة في الحد من صعوبات التعلم، حيث أوضحت في معرض حديثها مع "المساء"، أن فئة ذوي الاحتياجات الخاصة تحتاج إلى مرافقة"، ودعت في السياق الأسر إلى ضرورة تجنب معاملتها معاملة خاصة تجعلهم يشعرون بالاختلاف عن غيرهم، والعمل على إدماجهم بالاعتماد على بعض الأساليب العلمية، ومنها، بالنسبة لمن يعاني من إعاقة بصرية، يمكن الاعتماد على أسلوب اللمس للفت انتباهه، وإن كان لديه نقص في السمع، عوض رفع الصوت يمكن التعامل معه بالإشارة، وغيرها من الأساليب التي تسهل وتحد من صعوبات التعلم. مشيرة في السياق، إلى أن العائلات مدعوة إلى اكتساب بعض المعارف في كيفية التعامل مع أبنائها، وتعاني من بعض الإعاقات لتسهيل عملية التعامل والتعلم، غير أن الإشكال، حسبها، يتمثل في كون بعض العائلات ترفض تقبل الإعاقة، الأمر الذي يجعلها تعيق العملية التعليمية والإدماجية.

دعت الأخصائية الاجتماعية العائلات التي لديها أبناء يعانون من بعض الإعاقات، حتى وإن كانت بسيطة، إلى ضرورة تقبلها على الصعيد الأسري أولا، ومن ثمة التعامل معها بمعاملة قريبة من الشخص العادي، وتجنب معاملتها بطريقة تكشف الفوارق والاعتماد على بعض الأساليب العلمية للقضاء على الفوارق.

التكامل بين المعلم والأخصائي والأسرة

ترى خديجة خنيف، أخصائية في علوم التربية من المركز الجامعي بتيبازة، في حديثها مع "المساء"، أن الدراسات العالمية تشير إلى أن نسبة 8 بالمائة من الأطفال يعانون من صعوبات في التعلم، مما يتطلب وجود أخصائي نفساني للتكفل بها، وما يجب التأكيد عليه، هو أن وضع حد لمشاكل التعلم لدى الفئة التي تعاني من الصعوبات، يتطلب أن يكون هناك تكامل بين دور الأسرة والمعلم والأخصائي، وهذا التكامل ـ حسبها ـ "مطبق لدى فئة فقط في المجتمع"، وتشرح الأخصائية "من بين الطرق التي يمكن الاعتماد عليها، مثلا، بالنسبة للتلميذ الذي يعاني من عسر القراءة، أن يعامله معلمه بنوع من الخصوصية، كأن يجلسه في المقاعد الأمامية، ويتجنب إحراجه إن تأخر في النطق، لتجنب احتقار ذاته، خاصة أن أسباب عسر القراءة ليس مرجعه مشاكل عضوية في بعض الأحيان، إنما تتدخل فيها صعوبة المنهاج الدراسي، ومن الضروري إرشاد الأولياء إلى مرافقة أبنائهم عند القيام بواجباتهم المنزلية، وأن يعرفوا أنه بالنسبة للطفل العادي يكون تركيزه على ما هو مكتوب في الواجب المدرسي، ولمن يعاني من صعوبات، من المستحسن الاعتماد على حل التمارين بصورة شفهية، للمساهمة في الحد من صعوبات التعلم لديه.

من جهة أخرى، أوضحت محدثتنا أن الحديث عن مدى وجود عائلات تولي أهمية للصعوبات التي يعاني منها الأبناء، في غياب الإحصائيات أو دراسة واضحة، يقودنا إلى البحث فيما إذا كانت بعض الشروط متوفرة فيهم، ومنها وجود فكرة التقبل للابن كيف ما كان، التحلي بروح المسؤولية والتضحية، وهذه الشروط، حسبها، لا تتوفر في كل العائلات، وهو ما يصعب من عملية الحد من صعوبات التعلم.