المختصة في التاريخ وهيبة قطوش:

الجماجم الحية.. وأرشيفنا الآخر

الجماجم الحية.. وأرشيفنا الآخر
الدكتورة وهيبة قطوش، المختصة في التاريخ المعاصر والتاريخ العثماني
  • القراءات: 1004
أحلام م أحلام م

تطرقت الدكتورة وهيبة قطوش، المختصة في التاريخ المعاصر والتاريخ العثماني، إلى الحدث التاريخي العظيم الذي عرفته الجزائر، وهو عودة جماجم المقاومين، والتي قالت عنها "تعود إلينا هذه الجماجم وتزيدنا عزة وعزا وفخرا وشموخا"، وأوضحت أنها تعود إلى مقاومين بارزين، من بينهم: محمد لمجد بن عبد المالك المعروف باسم شريف "بوبغلة"، قائد المقاومة في منطقة القبائل، و«رأس محنطة" للضابط الجزائري عيسى حمادي، والشيخ بوزيان قائد مقاومة الزعاطشة بمنطقة بسكرة، وموسى الدرقاوي وسي مختار بن قويدر الطيطراوي، ومحمد بن علال بن مبارك، المسؤول العسكري والذراع الأيمن للأمير عبد القادر.

جاءت جماجم الرجال الأبطال أهل النخوة، فأحيت معاني الوطنية والمقاومة والجهاد والإيمان في قلوب البعض المحبة للوطن، تقول الدكتورة قطوش بفيض أحاسيس يحاكي الوطن ومحبه؛ "هكذا هو الوطن، وهكذا هي الذاكرة الحية الخالدة، هكذا هم السلف، وهكذا هو الخلف، وها هي الأرض الطيبة الجزائر، تستقبل أبناءها الذين كتبوا التاريخ بحروف من ذهب... إنه التاريخ الضارب في الأصالة والعزة".

تواصل قائلة؛ "لأن التاريخ لا يرحم الظالمين، وينصف لا محال المظلومين والمضطهدين ولو بعد حين، فإن جرائم فرنسا في الجزائر تتأكد بوقائعها يوما بعد يوم، رغم انقضاء السنين، ومحاولات فرنسا شرعنتها، عن طريق ضبط مفهوم الثورة الجزائرية على أنه مجموعة من المتمردين والخارجين عن القانون، وغيرها من المبررات الأخرى. إن جرائم فرنسا في الجزائر لم تقتصر على التعذيب والتقتيل والتنكيل بالأجساد والجثث فحسب، إنما جرائمها امتدت إلى الأرض والعرض، والهوية والثقافة، وإلى كل ما له علاقة بالإنسان الجزائري، عن طريق تبني سياسات قمعية مختلفة، مارسها جنرالاتها وحكامها ومستوطنيها من المجرمين والمحكوم عليهم في السجون الأوروبية".

حيال استرجاع الجماجم، قالت الدكتورة "إن استرجاع الجزائر لجماجم 24 من قادة المقاومة الشعبية، التي رفضت الاستعمار الفرنسي منذ دخوله إلى الجزائر، وحاربته وقاومته وكسرت أنفته، تعبر عن همجية الإدارة الاستعمارية الفرنسية، وعن لاإنسانية دولة العدالة والقانون التي لم تكف بالتغني بحقوق الإنسان، والتخفي وراء شعار الثورة الفرنسية؛ العدل والإخاء والمساواة، التي لم تلتزم بها إنسانيا ولا أخلاقيا، خلال قرن ونصف قرن من الاحتلال والاستدمار، ونهب الثروات وسرقة الأملاك في الجزائر".

تشرح الدكتورة "احتفظت فرنسا بجماجم أسيادنا المجاهدين الشهداء من زعماء المقاومة الشعبية لأكثر من قرن ونصف القرن، بمتحف الإنسان في باريس، لتؤرشف لتاريخها الدامي المخجل وتسلطها، وقوتها التي شيدتها على أجساد المقاومين والرافضين لعنجهيتها".

فيما تواصل بالرشح قائلة؛ "أي قانون إنساني عادل يسمح بقتل صاحب حق والتنكيل به، وقطع رأسه والاحتفاظ به في متحف؟ إنه قانون الجبناء الذين يكتشفون أن قوتهم لا تساوي شيئا أمام أصحاب الحق، إنه قانون الغاب الذي يعمل فيه القوي على القضاء على الضعيف، لكن هذا لم يحدث مع فرنسا في الجزائر، رغم سجلها الدامي والحافل بالجرائم، ورغم أن فرنسا تعتبر هذا الاسترجاع -يدخل في إطار مبادرة صداقة وتبصّر إزاء كل جراح تاريخنا-. و(تصالح تاريخي)، فنحن نعتبره إقرارا آخر بالوحشية التي تعاملت بها فرنسا مع الشعب الجزائري ورموزه".

التصالح التاريخي الحقيقي، حسب المؤرخة، "هو أن نسترجع ما لنا عند فرنسا بأكمله من ذاكرتنا وتاريخنا، ممثلا في أرشيفنا الكبير في الفترة العثمانية، وخلال الاستعمار الفرنسي". موضحة أن هذا الأرشيف يضم (الأرشيف الإداري وأرشيف الخواص، أرشيف الحكومات والوزارات، إلى جانب أرشيف المنفيين الجزائريين إلى المستعمرات الفرنسية في كاليدونياـ ومدغشقر، وغيرها من المستعمرات الأخرى، بالإضافة إلى الكثير من الوثائق والملفات الأخرى)، إن جرائم فرنسا التي ارتكبتها في الجزائر لا تقف عند هذا الحد أبدا، لأن سجلها الإرهابي في الجزائر لا تكفي في قسوته وآلامه عدد الأيام التي قضتها في استعمار الجزائر. وما جريمتي تلغيم الحدود الجزائرية، والتجارب نووية في صحرائها التي لا تزال تحصد الأرواح وتترك العاهات، إلا أمثلة أخرى عن ذلك"، تقول الدكتورة قطوش.