محاضرون بالمركز الثقافي الإسلامي يؤكدون:
الجزائر تنتقل من محو الأمية القاعدية إلى العضوية بالجيل الثاني

- 1434

كشف كل من الأستاذ نجيب بن لمبارك مهتم بالتاريخ وعز الدين بن عيشة ممثل عن الديوان الوطني لمحو الأمية وتعليم الكبار بمناسبة تنشيطهما محاضرتين حول سبل القضاء على الأمية في الجزائر عبر التاريخ بالمركز الثقافي الإسلامي، كشفا عن جملة من المجهودات المبذولة في الجزائر للقضاء على الأمية؛ إحياء لليوم العربي لمحو الأمية الموافق لـ 8 جانفي من كل سنة.
اختار الأستاذ بن لمبارك من خلال محاضرته، أن يسلط الضوء على واقع التعليم والتعلم في الجزائر إبان الاستعمار، حيث ذكّر بأن المستعمر الفرنسي استهدف طمس الهوية مذ وطئت قدماه أرض الجزائر، وعكف على محاربة الزوايا والسيطرة على خيراتها التي كان يعش منها الطلبة، ومن ثمة أصبحت المجهودات المبذولة في محو الأمية اجتهادات قليلة وشخصية، ومن بينها اجتهاد الشيخ عبد الحليم بسماية، المدرّس الذي حرص على تعليم طلبته رغم قساوة الظروف. ومن بين طلبته الذين عكفوا على طلب العلم الشيخ عمر بن قدور الجزائري، الذي يعتبر نموذجا وقدوة في محاربة الأمية إبان الاحتلال.
ويعد المحاضر الشيخ عمر بن قدور ثمرة من ثمار المدرسة الجزائرية إبان الثورة التحريرية، حيث أصرّ على التعلم ورفض أن يكون أمياّ رغم تواضع عائلته، التي ضحت بكل ما تملكه حتى يتمكن أبناؤها من التعلم، ومن ثمة انتقل إلى جامع الزيتونة؛ حيث تعرّف على الصحافة، وبدأ ينشر مقالاته في الجرائد التونسية، ولم يتوقف عند هذا الحد من التعلم، حيث دفعه شغفه إلى طلب العلم في مصر؛ حيث شاع اسمه بانتمائه إلى جريدة من أعرق الجرائد، موضحا أن هذه الشخصية من العدم وفي ظل الظروف الاستعمارية القاهرة، تمكنت من طلب العلم وتحويله إلى سلاح يكافح به المستعمر.
من أهم الثمار التي نتجت عن تعلم الشيخ عمر بن قدور بمصر، تعرّفه على معنى الوطنية التي كانت غير منتشرة بين أوساط الشعب بسبب مضايقة الاستعمار الفرنسي له، إلى جانب اطلاعه على طريقة مطالبته بها عن طريق ما يكتبه وينشره من مقالات. وبعد عودته إلى الجزائر، حسب المحاضر، كان مع عمر راسم ثنائيا خطيرا ضد الاستعمار بسبب محاربتهما الأمية وإنعاش الوطنية وسط المثقفين. وبعد أن أحس الاستعمار بخطره نفاه بسبب مقالاته حول الوطنية، إذ كان مناهضا لتجنيد الجزائريين في الحرب العالمية الأولى بعدما عبّر في مقالاته عن معارضته للتجنيد، فنفاه المستعمر إلى الأغواط مشيا على الأقدام.
رغبة الشيخ بن قدور في محاربة الأمية ونشر الوعي والعلم، جعلته يعود من منفاه إلى مواصلة نشاطه النضالي، لأن محو الأمية في نظره لا يعني معرفة القراءة والكتابة فقط وإنما أيضا فهم ماهية الوطنية ورفض فكرة الاستعمار؛ من خلال التعريف بالحقوق المشروعة. ويضيف المحاضر: "هذه الشخصية النموذجية تعتبر من الشخصيات غير المعروفة رغم أنها بذلت جهدا كبيرا في محاربة الأمية وحبها لطلب العلم والتعلم"، معربا عن أسفه لتخلي جيل اليوم عن طلب العلم رغم توفر كل الإمكانيات.
وختم الأستاذ نجيب محاضرته بتوجيه رسالة مفادها بأن محو الأمية ينبغي أن لا يتم حصره في تعلم الكتابة والقراءة فحسب، وإنما في معرفة ماهية الوطنية لخدمة الوطن، مشيرا إلى أن المجهودات المبذولة في سبيل محو الأمية في الجزائر، لاتزال تسير بطريقة بيداغوجية كلاسيكية وهي بحاجة إلى إعادة النظر فيها لتطويرها.
من محو الأمية القاعدية إلى الأمية العضوية
من جهته، استعرض عز الدين بن عيشة، ممثل عن الديوان الوطني لمحو الأمية وتعليم الكبار، المجهودات المبذولة من طرف الديوان الوطني لمحاربة الأمية؛ حيث قال في معرض حديثه بأن الجزائر عرفت منذ 2007 نقلة نوعية في مجال تفعيل الاستراتيجية الوطنية لمحو الأمية التي سمحت بتراجع نسبة الأمية إلى حد كبير في الجزائر، مشيرا بلغة الأرقام، إلى أن قبل الاحتلال الفرنسي كانت نسبة الأمية تعادل 14 بالمائة. وبعد الاحتفال قفز الرقم إلى 85 بالمائة، ما يعني أن المستعمر تعمّد طمس الهوية ومحاربة العلم والمتعلمين. وبعد الاستقلال وجدت الجزائر نفسها تواجه أمية تعادل 85 بمائة؛ الأمر الذي دفع الدولة إلى تبنّي استراتيجية مفادها محاربة الجهل في الأوساط الشعبية، ومن ثم رسم عدة استراتيجيات بمقاربات متعددة، انتهت إلى سنة 2007 حيث تم إشراك المجتمع المدني في محاربة الأمية لمزيد من الفعالية وللتسريع في القضاء على الأمية، الأمر الذي نتج عنه، حسب المحاضر، تقليص الأمية؛ إذ تم تسجيل 16 بالمائة في سنة 2012، بينما آخر الإحصائيات تشير إلى تراجع الأمية إلى 10 بالمائة أواخر سنة 2016 وبداية 2017؛ ما يعني أن هناك مجهودات كبيرة في محاربتها.
وحول المجهودات المبذولة من طرف الديوان الوطني لمحاربة الأمية، أكد المحاضر أن الديوان يعتمد على البحوث الجامعية والاستشارات، ويعمل على تحيين الاستراتيجية بتطويرها والتكفل بتكوين المكلفين بمحاربة الأمية، إلى جانب توفير الكتب التي تقدم بصورة مجانية لهذه الفئة، مشيرا إلى أن الراغبين في التعلم ما عليهم إلا التوجه إلى الفضاءات المعدة لمحاربة الأمية؛ كالمدارس القرآنية أو المراكز التابعة لوزارة التضامن الوطني والمراكز الثقافية ودور الشباب.
وممثل الديوان الوطني لمحو الأمية آخر التطورات التي يجري العمل بها في مجال تحيين الاستراتيجية الوطنية لمحاربة الأمية ممثلة في الجيل الثاني لمحو الأمية، حيث لا يتم الاحتفاء بمحو الأمية القاعدية المرتبطة بالكتابة والقراءة فحسب، وإنما يقوم الجيل الثاني على محو الأمية العضوية، ويشرح: "نسعى من خلال محو أميّة الأشخاص إلى تمكينهم من تفعيل المكتسبات العلمية؛ كالاندماج المهني أو التوظيف في المؤسسات وإنشاء مؤسسات فردية"، مشيرا إلى أن الهدف الأكبر هو التطلع لمحو الأمية من الجزائر مطلع 2020، وبلوغ صفر أمّية بمعية الجمعيات والمنظمات الوطنية.
❊رشيدة بلال