في زمن كورونا

التباعد الاجتماعي خلق تقاربا روحيا

التباعد الاجتماعي خلق تقاربا روحيا
  • القراءات: 1554
نور الهدى بوطيبة نور الهدى بوطيبة

فرض انتشار فيروس كورونا منطقه الخاص على الجيران؛ حيث خلق هذا الفيروس المجهري قواعده الخاصة، وتسبب في العزل الشخصي والابتعاد الاجتماعي الذي مس جميع العلاقات بأنواعها، فكل بعيد وليس غريبا محتمل حمله الفيروس في نظر الآخر، الأمر الذي أعاد صياغة طرق التعامل مع الآخر، ومنه علاقة الجيرة التي انحصرت في إلقاء التحية من وراء الكمامة لا أكثر.

سواء في القرى أو المدن أعطى فيروس كورونا المستجد شكلا جديدا من التواصل، حيث بتنا نلاحظ ذلك التباعد المفروض والذي لا بد منه بين الجميع حتى بين الأقارب والأحبة، في إطار الخوف على النفس وعلى الغير من انتقال وانتشار الفيروس، وصورة من صور المسؤولية لضمان الصحة العمومية، فترى الناس يمشون متباعدين، ويتحدثون، ولا يسمحون للأولاد بالاختلاط قدر الإمكان، تلك الصور أشد في بعض المدن التي باتت بؤرا للفيروس، والتفكير أكثر صرامة بالنسبة للبعض، حيث مست كذلك علاقة الجيرة خصوصا بعض الذين كانوا يعرفون الالتقاء اليومي والتنقل من بيت إلى بيت لاسيما الماكثات بالبيت، واللواتي خلقن لأنفسهن في الأيام العادية، روتين تبادل الزيارات بين أقرب جارة للدردشة وتبادل الأحاديث وكسر الروتين اليومي.

وفي هذا الصدد، حدّثت "المساء" بعض المواطنين الذين لمسوا تغيرا في علاقة الجيرة، لتتحول من علاقة وطيدة إلى علاقة سطحية، على حد تعبير البعض، وذلك لا يعني تغير العلاقة الودية، حسبما أشارت إلى ذلك حورية، وإنما الفيروس حوّل التقارب إلى تباعد ظرفي في انتظار زواله تماما.

ومن جهته، قال عبد القادر إن سكان المدن أكثر خوفا من تفشي الفيروس، ما خلق لديهم تصرفات أكثر صرامة من سكان القرى والأرياف التي لم تسجل حالات كثيرة  للعدوى وتكاد تكون منعدمة، وهذا ما جعل علاقة الجيرة في المدن تختلف في زمن كورونا، لاسيما بسبب قرب المنازل والأبنية من بعضها، خاصة في العمارات، فكل شخص هو إصابة محتملة، لذا بات كثيرون يحملون مواد التعقيم، ولا يستعملون المصاعد، وبالكاد يتبادلون التحية من وراء الكمامة بعيدا عن تلك الحالات التي لا وعي لها.

وعلى صعيد ثان، قال محمد إن تلك العلاقة بين الجيرة أخذت شكلا طرديا، فرغم تباعد العلاقة الجسمانية كالمصافحة إلا أنها أصبحت أكثر صلابة تحكمها ميزات أخرى على غرار التكاتف والتآزر. وأضاف: "ما الهدف من خلق علاقة مع الجار إذا لم يكن هناك مساعدة في مثل هذا الوقت؟! فالجار ليس للدردشة وتبادل أخبار الحي، وإنما هو أعمق من ذلك؛ بإعانة أكثرهم حاجة، ومدهم يد المساعدة المادية والمعنوية أو على الأقل الوقوف في جنبهم عند حدوث محنة"، مشيرا إلى أن كورونا لم يبعد الجيران وإنما قرّبهم بشكل آخر.. "الشكل الروحي الذي لن يتمكن الفيروس من التأثير عليه".

أما مريم المغتربة في إسبانيا فقالت إن كورونا قرب الجار أكثر، والدليل على ذلك تلك الصور التي تلقى صدى كبيرا لجيران يقتلون ملل الحجر الصحي بالخروج إلى شرفات منازلهم وتبادل الحديث أو الغناء والرقص والتصفيق، أو إلقاء النكت، أو بكل بساطة تبادل الأخبار فيما بينهم، وذلك، في رأيها، من أجمل ما خلفه الفيروس. وأشارت إلى أن الجيران الذين لم يكونوا يعرفون بعضهم بعضا مطلقا، الجائحة أعادت صياغة تلك العلاقات، فقربت الواحد من الآخر روحيا رغم إبعادهم جسديا.