ثقافة لاتزال تُلتمس في الجزائر
البقشيش.. سخاء، تعاطف وتعبير عن الرضا

- 982

لاتزال ثقافة «البقشيش» تنحصر في فئة معيَّنة من المجتمع، يتعامل بها البعض للتعبير عن امتنانهم للشخص الذي جرت معه معاملة تجارية أو خدمة أو غيرها، وهي الثقافة التي كانت ولاتزال تنتشر عبر كافة أرجاء العالم، وبقيت في الجزائر تنحصر على بعض الخدمات فقط، خاصة في صالونات الحلاقة للسيدات.
في جولة قادت «المساء» إلى بعض صالونات الحلاقة التمسنا مدى صمود تلك الثقافة وسط النسوة، اللواتي يتقدمهن فور انتهائهن من تسريح شعرهن أو بعد استفادتهن من أي خدمة تجميلية، لترك بقشيش بسيط في يد من تكفلت واهتمت بها في الصالون؛ كتعبير منهن عن رضاهن عن الخدمة التي قُدمت لها.
ويُعتبر «البقشيش» مبلغا من المال يكون «بسيطا»، يعطى لمن يقدم لك خدمة، كحامل الحقائب في الفنادق، أو النادل في المطعم، أو سائق سيارة الأجرة، وهو ليس حكرا على مجتمع معيَّن أو ثقافة محددة، وإنما ينتشر في كافة بلدان العالم، لاسيما المتطورة منها، إذ تظل بالنسبة للكثيرين تعبيرا عن مشاعر الامتنان والرضا، في حين تُعتبر بالنسبة لآخرين من أصول المعاملات وسط المجتمع بين الزبون وصاحب الخدمة أو التاجر. ويبقى الطرف الآخر بين قبول ذلك التصرف اللطيف أو الرفض أو التوسط بين الأمرين، في حين أماكن أخرى تمنعها منعا باتا من باب الأصل أو «سمعة» المحل، وتعلن عن الحظر كتابة في مدخل المحل.
وتبقى تلك الثقافة في الجزائر تنحصر على خدمات محددة وبين فئات هي الأخرى معيّنة، وليس مثلا الشخص الغني هو الذي يقوم بها وإنما يحمل تلك الثقافة الشخص السخي والكريم، فقد يكون ميسور الحال أو متوسطه أو شخصا بسيطا؛ تعبيرا لصاحب الخدمة بأنها سريعة ومتقنة. كما أنها تدفع بمتلقي الخدمة إلى التكفل بشكل جيد ومماثل في المرات المقبلة.
ثقافة أطلقتها أمريكا قديما، ثم انتشرت بعدها في باقي أرجاء العالم، كل واحد له تسميته الخاصة، عُرفت في العالم العربي بالبقشيش أو الفكة، تقدَّم عادة للشخص البسيط وليس لصاحب المحل أو صاحب الشركة حيث تتم الخدمة؛ تعبيرا عن التعاطف مع الشخص ذي الدخل البسيط أو صاحب الخدمة الشاقة.
وقفت «المساء» على تلك الثقافة داخل صالونات الحلاقة؛ إذ إن النسوة فور انتهائهن من تلقي الخدمة ودفع مستحقاتها لصاحبة المحل، يقدّمن ما استطعن من الفكة للتي اهتمت بهن. وتختلف الفكة من شخص لآخر، وحسب درجة الرضا بالخدمة.
ولتقديم البقشيش وتلقّيه أصول حدثتنا عنها ليلى صاحبة محل حلاقة بالجزائر الوسطى، قائلة إن ثقافة تقديم فكة للعاملين في أي مؤسسة أو محل، لها أصول تحكمها، وهي ثقافة لا تنحصر على مكان معيّن وإنما يحملها شخص محدد، فذات الشخص الذي يقدم مثلا «بقشيش» لحامل الحقائب في فندق هو نفسه الشخص الذي يقدم فكة لسائق الأجرة، أو المرأة التي تقدم بقشيش لعاملة في حمّام معدني هي نفسها التي تقدمه لعاملة في صالون حلاقة. وهنا تشير المتحدثة إلى أن هذه الثقافة ترتبط بالأشخاص وليس بالأماكن، فعادة الشخص الذي يقوم بها يكون سخيا ويتعاطف مع الشخص البسيط الذي يقدم له الخدمة.
وتقول صاحبة المحل إن البقشيش ليس أمرا مفروضا وإنما يكون عادة من باب الأصل فقط، للزبون الحرية في تقديمه أو لا، ويقدَّم مباشرة للمعني؛ أي لا يتوسطه صاحب المحل إلا في بعض الدول الأوروبية التي يخصص لها أبناء يوضع مثلا أمامهم صندوق الدفع، ثم يقسَّم بين الموظفين، إلا أنه في الجزائر يقدَّم مباشرة للمعني، ولا يحق لصاحب المحل منعه عن موظفه.