أهلي البرج

البرايجية يحتفلون بـ"شاو الربيع"

البرايجية يحتفلون بـ"شاو الربيع"
  • 3908
آسيا عوفي آسيا عوفي

"شاو الربيع الربعاني.. كل عام تلقاني في الفيلاج الفوقاني"، كلمات ترددها العائلات البرايجية للاحتفال بقدوم فصل الربيع وإقامة ما يسمى بـ«شاو الربيع" وهي كلمة أمازيغية، "شاو" تعني بالعربية بداية، والربيع ـ واضحة ـ تعني فصل الربيع، والكلمة تعني بداية دخول الربيع ونهاية فصل الشتاء الذي تميزه الأمطار الغزيرة والثلوج، التي تحرم الكثير من العائلات من الخروج والتنزه.

تقيم ولاية برج بوعريريج تظاهرة "شاو الربيع".. في ربيع كل سنة، خلال الثلاث جمعات الأولى من شهر مارس، وهي تظاهرة محلية تعد امتدادا لعادات وتقاليد عريقة متجذرة في العائلة البرايجية، إذ منذ زمن طويل، اعتاد جميع أفراد العائلة الخروج إلى المناطق الخضراء الشاسعة ومعهم أكلات وحلويات معدة خصيصا للاحتفال بفصل الربيع. ولمعرفة عادات وتقاليد البرايجية في هذا الشأن، اقتربت "المساء" من العائلات.

النهوض باكرا للخروج أو بعد الظهر

تخرج بعض العائلات لاستقبال "شاو الربيع" في الصباح الباكر لتحضير كل مستلزمات اليوم، لأن موعد الرجوع إلى المنزل يكون في المساء، بالتالي لابد من تحضير الزاد المتمثل في الخبز والماء والجبن والزيتون، أي وجبة باردة، إلى جانب المبرجة والبرتقال والحلويات المتنوعة، وهناك من يقوم بشيّ السمك أو اللحم في الغابة، وقبل كل هذا، فإن الأم تقوم بتحضير البيض المسلوق، ويتحصل كل فرد من العائلة على نصيبه ويقوم بتوزيعه الأب على أولاده، إذ أن كل فرد يتحصل على قطعة واحدة من المبرجة، وحبة برتقال وبيضة وحلويات. وفي بحثنا عن سر اختيار البرتقال بدل الموز والتفاح، وجدنا إجابتين؛ الأولى أن البرايجيين لم يعرفوا الموز والتفاح قديما، خلافا للبرتقال الذي يعد منتوجا جزائريا متوفرا في الماضي والحاضر، بالتالي فإن أكل البرتقال بحلول فصل الربيع تقليد معروف. أما الجواب الثاني فإن البرتقال يحتوي على فيتامينات توفر النشاط والحيوية، وهو فيتامين "ج" الذي يجعل الفرد الذي يستقبل الربيع في نشاط دائم.

"المبرجة" سيدة القعدة وبدونها لا يحلو المقام

"المبرجة" أو "البراج" كما يحلو للكثيرين تسميتها، هي أهم ما يميز الربيع في منطقة برج بوعريريج، وهي عبارة عن قرص من دقيق القمح الصلب، تحشى بالتمر المعجون وتقسم إلى مربعات صغيرة تطهى في طاجين على نار هادئة، إلى جانب "الرفيس" الذي لا يختلف كثيرا عن "البراج"، تحمص فيه حبات الدقيق الخشن على النار حتى يتحول إلى لون ذهبي، ويخلط بالتمر المعجون مع الزبدة، ويوضع في قالب خاص، فلا تستغني عائلات البرج عن هذه الأطباق التي تميز هذا اليوم، إلى جانب "القرص"، وهي أشبه بـ«الكسرة" تدهن بصفار البيض لتبدو صفراء كصفرة أزهار النرجس، وتوضع في سلال صغيرة خاصة بالأطفال مع حبات البرتقال والتمر وحلويات خاصة بالربيع.

للمتزوجة نصيبها

لا تغفل العائلات البرايجية عن نصيب بناتها المتزوجات من احتفاليات الربيع، حيث تسرع الأمهات عادة إلى تحضير "المبرجة" و«الرفيس"، ويجدّ الرجال في اقتناء حلوى الربيع والبرتقال والتمر، لتأخذه الأم والوالد لابنتهما متباهين أمام أهل الزوج بما جلباه لها، وتقوم بدورها بتوزيع جزء منه على الجيران. كما تحرص الأمهات على صنع "القرص" لكل أحفادها، ولا تنسى بعض العائلات حق أبنائها الذين يؤدون الخدمة الوطنية أو الذين يعملون في سلك الأمن بعيدين عن منازلهم، حيث يحتفظون بنصيبهم من "البراج" و«الرفيس".

ربيع اليوم والأمس

بمرور السنوات، يختلف "شاو الربيع" في الوقت الحاضر، حيث يكمن التباين في تنوع الحلويات، فهناك حلويات لا يمكن عدها ولا نعرف حتى تسميتها، وكذا الفواكه كالتفاح، الموز وحتى العنب والأناناس موجودان، وكان الأطفال والفتيات ينقلونها معهم في كيس بلاستيكي، والآن أصبحوا يستعينون بقفف ملونة تحمل اسم "باربي" و«فُلة".

أما في ربيع السنوات الماضية، فكانت العائلات تكتفي بـ«المبرجة" والبرتقال والبيض المغلى، ويكون هناك تضامن وحب بين العائلات، ويتجلى ذلك في تبادل "المبرجات" وتكون هناك البركة والفرحة بين كل العائلات، وهناك من يقوم بجلب بعض الخضر من الحقول خاصة "البقول"، لكن هذه العادة اختفت مؤخرا مع تقدم النساء في السن وعزوف الجيل الحالي عنها، فجيل اليوم يبحث عن الموضة ومسايرة التطور التكنولوجي.

للإشارة، تجمع العائلات السطايفية والبرايجية نفس الطقوس للاحتفال بفصل الربيع الذي لطالما امتاز باعتدال جوه وجمال مناظره، حيث تخرج العائلات، خاصة الأطفال الصغار، إلى الحدائق والمساحات الخضراء في أوائل شهر مارس.