موت بطيء وشعبية تهدّد صحة الأطفال

"الإندومي" و"الشيبس".. من وجبة سريعة الى إدمان صامت

"الإندومي" و"الشيبس".. من وجبة سريعة الى إدمان صامت
  • 275
نور الهدى بوطيبة نور الهدى بوطيبة

لم يعد استهلاك "الإندومي" و"الشيبس" بين الأطفال مجرّد ظاهرة عابرة، بل أصبح جزءا من نمط حياة غذائي خطير يتسلّل إلى البيوت بشعار "السهولة واللذة". حيث تحولّت هذه المنتجات في السنوات الأخيرة، إلى بديل رئيسي للوجبات اليومية لدى فئة واسعة من الأطفال والمراهقين بتشجيع من الأهل، في ظلّ غياب الوعي الغذائي، وضغط الإعلانات التجارية التي تُظهرها كخيار عصري وعملي. لكن الحقيقة العلمية تكشف وجها آخر لهذه الأطعمة، وهو وجه مليء بالدهون المهدرجة، والأملاح الزائدة، والمضافات الكيميائية التي تفتك بصحة الأجيال الجديدة بصمت، ودون إنذار.

لم يعد مشهد طفل يجلس أمام التلفاز ممسكا بكيس “شيبس” أو صحن "إندومي"، أمرا غريبا في بيوتنا اليوم، بل أصبح عادة يومية لدى كثير من الأسر، التي ترى في هذه المنتجات وجبة سريعة تُسكت الجوع، وترضي الأطفال. غير أن هذه الراحة الغذائية تخفي في الحقيقة، كارثة صحية متصاعدة، كما تؤكد خبيرة التغذية نورهان بن منصوري، التي وصفت الظاهرة بـ "إدمان غذائي منظم"، تغذيه الشركات الإعلانية أكثر مما تغذيه الحاجة الفعلية للطعام.

وفي هذا الصدد قالت الخبيرة: "يُعدّ إندومي من أكثر المنتجات الاستهلاكية انتشارا بين الأطفال؛ إذ يُنظر إليها على أنها وجبة سريعة التحضير، توفر الطاقة، وتحضَّر في لحظات. غير أن التحاليل المخبرية والدراسات الحديثة أثبتت أن هذه الوجبات تحتوي على نسب مرتفعة جدا من الصوديوم، قد تتجاوز حاجات الجسم اليومية بثلاثة أضعاف. فالصوديوم الزائد لا يرفع ضغط الدم فحسب، بل يُجهد الكلى، ويؤثر في توازن السوائل داخل الجسم، خصوصا لدى الأطفال، الذين لاتزال أجهزتهم في طور النمو. وتضيف: " الى جانب ذلك الخطر تعتمد مصانع في إنتاج هذه المنتجات، على الدهون المهدرجة أثناء القلي المسبق للمعكرونة. وهي دهون مصنفة عالميا ضمن أخطر أنواع الدهون، التي تسبب انسداد الشرايين، وتزيد من خطر أمراض القلب على المدى البعيد ".

"الإندومي".. وجبة سريعة لكن بطيئة الهضم

لعلّ الأخطر من ذلك هو احتواء هذه المنتجات على المنكهات الصناعية، تقول الخبيرة، وكذا محسنات الطعم؛ مثل جلوتامات الصوديوم الأحادية. وهي مادة أثارت جدلا واسعا في الأوساط العلمية؛ بسبب ارتباطها باضطرابات عصبية، وصداع متكرّر، وفرط النشاط لدى بعض الأطفال. كما إنّ عملية التصنيع نفسها تتضمّن تسخين الزيت مرات متكرّرة؛ ما يؤدي إلى تكوين مركبات مسرطنة مثل الأكريلاميد، وهي مادة حذّرت منها منظمة الصحة العالمية؛ نظرا لاحتمال تسببها في تلف الخلايا على المدى الطويل، تشدد بن منصوري.

وأضافت: "أما الشيبس فهو الوجه الآخر لنفس الخطر؛ إذ يحتوي على نسب مرتفعة من الدهون المشبّعة، والملح، والسكريات البسيطة، مع ألوان ونكهات صناعية تغري الطفل بالاستمرار، وتدغدغ رغبته في استهلاكه. واللافت أن بعض الشركات تتعمّد تعديل مزيج الملح والدهون؛ حيث يحفَّز الدماغ على إفراز الدوبامين؛ ما يخلق إحساسا لحظيا بالمتعة، يشبه إلى حدّ ما، تأثير المواد المسبّبة للإدمان. وبهذا الشكل يدخل الطفل في حلقة مغلقة من التعلق بهذه الوجبات، فيفقد شهيته للطعام الطبيعي، ويعاني، حينها تدريجيا، من نقص في الحديد والكالسيوم والفيتامينات، وهو ما ينعكس على نموّه العقلي والجسدي، ويؤثّر على صحته بشكل كبير".

وسجّلت بعض الدول في السنوات الأخيرة، حالات تسمّم حاد، ووفاة نتيجة الإفراط في استهلاك "الإندومي"، أو منتجات مشابهة، تقول الطبيبة، وهو ما دفع السلطات الصحية في دول عدّة، إلى إصدار تحذيرات، بل وحتى سحب بعض الأنواع من الأسواق، لكن رغم هذه الوقائع المقلقة لايزال استهلاك هذه السموم في الجزائر في تزايد مستمر؛ لأنّ الإعلانات الموجّهة للأطفال والأسر تروّج صورة مزيّفة عن "الأكل السريع" كخيار عملي واقتصادي، متجاهلة الآثار التراكمية التي قد لا تظهر إلا بعد سنوات.

ونبهت الخبيرة إلى أنّ ما نواجهه اليوم ليس مشكلة غذائية فحسب، بل أزمة صحية وثقافية، تمس مستقبل الأجيال، فالإندومي والشيبس قد يبدوان في الظاهر وجبات سريعة وبريئة، لكنّهما في الواقع سموم بطيئة المفعول، تؤدي إلى تدهور الصحة العامة، وارتفاع معدلات السمنة، والسكري، وارتفاع الضغط حتى بين الأطفال. والحل لا يكون بالمنع فقط، بل بإعادة تشكيل الوعي الغذائي داخل الأسرة والمدرسة، وتعليم الأطفال منذ الصغر، معنى الغذاء الحقيقي الذي يمدّ الجسد بالطاقة لا بالأمراض. وتشدّد: "لقد آن الأوان لننظر إلى هذه المنتجات ليس كأطعمة مسلية، بل كتحذير صامت من مستقبل غذائي سام".