الأستاذ حسين آيت عيسي مختص في علم الاجتماع:

الأمثال والحكم معالم أثرية تصارع العولمة

الأمثال والحكم معالم أثرية تصارع العولمة
  • 3238
رشيدة بلال رشيدة بلال

اختار الأستاذ حسين آيت عيسي، مختص في علم الاجتماع بالمركز الجامعي لتيبازة، مهتم بشؤون الأسرة، تعريف الأمثال الشعبية على أنها الدلالة على تطورات المجتمعات ودينامكياتها وعلى تمثيلاتها للحياة والوجود والعمل، تعكس مواقف معينة من ظواهر محددة. كما يمكن أن نعرفها أيضا على أنها عبارة موجزة ودقيقة تحوي فكرة جوهرية تتعلق بالحياة الاجتماعية وتختصر حياة فرد أو جماعة أو قبيلة في قضية ما، كقضايا الزواج أو الأسرة أو الصداقة. أما الحكمة فيقول بأن لها نفس الدلالة، إذ أنها تأتي على شكل عبارة متداولة ونجدها في مختلف المجتمعات، لأنها عابرة للثقافات وتحوي فكرة متقبلة من طرف الجميع.

للأمثال الشعبية والحكم عدة أدوار، حسب المختص الاجتماعي، منها أنها تعكس الواقع الاجتماعي والثقافي، فتعبر عن الظروف والأفكار السائدة في زمن ومكان ما. كما أنها تعتبر أداة اتصال وتعبير عن الأفكار، فتتسم بالفعالية والسرعة والجمالية،  لهذا فهي تجمع وتحفظ وتوظف. فضلا على القدرة على إنشاء واقع بالتأسيس لقناعات معينة، لاسيما أنها تستغني عن البرهنة لقدرتها على التأثير الشكلي. مشيرا إلى أن أهم أدوارها الدور التربوي، فالحكمة والمثل استخدم لإيصال رسالة مختصرة ومباشرة أو غير مباشرة، أي أن هناك نوع من التشفير يقوم كلاهما ـ أي المثل والحكمة ـ على لغة متداولة يفهمها العام والخاص، بل نجد أن الحكم والأمثال تنتج من أشخاص بسطاء استمدت من تجربتهم في الحياة ونتاج ما عاشوه بحلوه ومروه.

من بين الأدوار المهمة في هذا الموروث الشعبي؛ الجمالية في الكلمة التي كانت عادة تستخدم في النقاشات التي تقوم بين شخصيين يتجادلان، حيث يحاول كل منهما أن يدعم موقفه باللجوء إلى الأمثال والحكم التي تعطي قوة في الخطاب، يقول المختص الاجتماعي ويضيف: «بالرجوع إلى الجزائر، نجد أن سكان القصبة تحديدا كانوا يستخدمون الأمثال والحكم كثيرا في حياتهم، وأن الشخص الذي يعرف عددا وافرا منها ويحسن استعمالها في الوقت المناسب، تكون بمثابة سلاح بالنظر إلى أهميتها، وتعطي قيمة للفرد الذي يحسن استعمالها وتعكس الثقافة الواسعة والانتماء من خلال التحكم فيها».

ويضيف المختص قائلا: «من بين الأدوار الأخرى للأمثال والحكم، توظيفها من طرف الخطباء في المساجد، حيث يعمد الخطيب إلى جانب الاستدلال بالآيات والأحاديث الاستدلال أيضا بالأمثال والحكم، لقدرتها على الإقناع ولجمالية النص الذي يلعب دوره في إيصال الرسالة»، مشيرا إلى أن هذا الرصيد الثقافي يسجل اليوم تراجعا في الاستعمال بسبب ضعف التواصل في الإطار العام، حيث نسجل تراجعا ـ يقول ـ في الاحتكاك بين أفراد الأسرة الواحدة وفي الشارع مع كبار السن، دون أن ننسى أن العالم الافتراضي اجتاح عالمنا الواقعي، كل هذا جعلهم يستغرقون كل وقتهم، بالتالي أصبح الجلوس في المنزل أو في الحي للاحتكاك بمن يملكون هذه الثقافة الشعبية قليل، يضيف شرخ بين الأجيال ولم يعد الفرد الكبير مصدر للمعرفة، بالتالي ضيعنا فحوى المثل القائل «اللي فاتك بليلة فاتك بحيلة». 

يعتقد المختص الاجتماعي أن المراهقين والشباب اليوم مصابون بظاهرة مزدوجة، فهم يعانون من تفقير ثقافي، إذ نجد أنهم لا يملكون رصيدا معرفيا في الموروث الثقافي، ومن ناحية أخرى لهم نوع من التكبر على هذه الثقافة التي يعتقدون بأنها  ثقافة أكل عليها الدهر وشرب، ولا مجال لها في حياتنا العصرية، في الوقت الذي يفترض أن الأمثال والحكم تختصر هوية شعب وعبقريته، وإذا فقدنا هذه الأمور نكون قد فقدنا جزءا كبيرا من هويتنا اليوم، يؤكد المختص نعيش، بسبب العولمة الثقافية، لكن ما نجهله أنه لا وجود لعالمية من دون خصوصية.  

يختم المختص الاجتماعي حسين حديثه عن الأمثال والحكم بالقول «إنه لا شك أن الأمثال الشعبية اليوم أقل رواجا سواء (إنتاجا أو استخداما) مقارنة بالماضي، فنحن اليوم نردد أمثالا أنتجت كلها في الماضي، وهذا ما يضفي على هذه الأمثال قيمة سوسيوتاريخية، فهي مثل المعالم الأثرية التي أنتجت واستخدمت في الماضي ويمكننا من خلالها التعرف على ملامح المجتمعات التي تنتمي إليها.

المؤرخ بلقاسم باباسي رئيس مؤسسة القصبة بالعاصمة: جمع أمثال القصبة مشروع كتابي المقبل

اختار المؤرخ بلقاسم باباسي، رئيس مؤسسة القصبة بالعاصمة، عند سؤاله عن الأمثال والحكم التي كانت متداولة منذ القدم وتحديدا في القصبة العريقة، أن يبدأ حديثه لـ«المساء» باسترجاع بعض الأمثال التي كانت متداولة في الماضي بين سكان القصبة العريقة، على اعتبار أنه من أبناء هذه المدينة التاريخية، ومنها يقول... الّي يتمنا ما يضيع .... والّي يصبر خير من الّي يقطع الاياس ... قالوا يا بابا ضربونا قالوا عقلونا.... المباتة بالشر ولا طعم عكاز ... ظاهرة الشقة على حواشيها، بمعنى أن المظهر الخارجي للمنزل يعطي الانطباع على ما يمكن أن يكون عليه في الداخل من حيث النظافة أو العكس» ... واش حالك من داخل يا المزوق من برا .... تلقاها يا صياد النعام... كون سبع وكولني ... صام شحال وفطر على جرانة... وغيرها كثير مما لم يعد يجري تداوله، لأن الأغلبية ـ حسب الباحث ـ لم تعد تفهم مثل هذه المعاني التي تحملها الأمثال.

تمتد جذور الأمثال والحكم، حسب المؤرخ باباسي، إلى العهد العثماني وهي نتاج تجارب الناس في الحياة، تحولت إلى كلام موزون يعتمد عليها في التربية أو لتوجيه رسائل ضمنية، موضحا أن ما ساهم في انتشار هذه الأمثال كثرة تداولها في المقاهي التي كانت تعتبر الأماكن التي يمضي فيها سكان القصبة قديما معظم وقتهم، وكان الشخص المفضل هو ذلك الذي يملك رصيدا فكريا كبيرا من الأمثال،   يستعملها للرد على خصومه أو من يدعون المعرفة بهذه الأمثال، مشيرا إلى أن السكان قديما كان يلجأون كثيرا إلى هذه الأمثال من أجل الوصول إلى تبليغ بعض الأفكار التي لا يمكن الجهر بها بسبب الخجل أو الكبرياء، فمثلا الشخص الذي يرغب في تزويج ابنته ما عليه إلا أن يضع ريشة من نبات النعناع فوق أذنه، ويجلس في المقهى، وبهذه الطريقة يفهم المترددون على المقهى أن لديه بنت في سن الزواج،   وإذا كان هناك من يبحث لابنه عن زوجة ما عليه إلا التقدم إلى المعني وتحديد موعد،  وأن والد الفتاة لا يزيل عرف النعنان إلا بعد أن تتم الموافقة.

يذكر المؤرخ باباسي أنه تربى منذ طفولته في القصبة العريقة بهذه الأمثال التي كانت تغلب على لغة التخاطب، لهذا اتجه اليوم إلى جمعها، حيث بدأ يسترجع عددا من الأمثال التي كان والداه يستعملانها، ومن ثمة ينتقل إلى البحث عنها في ذاكرة من بقي يحفظ منها من الأصدقاء والرفقاء من سكان القصبة، حيث يملك في رصيده 30 مثلا قديما فقط، مشيرا إلى أنها بدأت في السنوات الأخيرة تتراجع كونها ضلت محصورة في كبار السن، وأمام هذا قرر، بعد أن يفرغ من كتابه حكايات وأساطير  الجزائر عن الأولياء الصالحين الموجود على مستوى المطبعة وكتاب آخر حول البوقالات الذي يضم 230 بوقالة، أن يتفرغ للأمثال والحكم التي كانت متداولة بالقصبة. 

الأمثال والحكم تسير اليوم في طريق الاندثار، لأن فكر المجتمع المعاصر اليوم اعتبرها من الأمور القديمة التي لم تعد صالحة، وهو المفهوم الخاطئ الذي تفشى في فكر الشباب، لأن هذه الأخيرة كان لها دور كبير في التربية وتقويم سلوك الأفراد  بصورة ضمنية، كلها كانت مستمدة من الواقع وتعكس الحياة الاجتماعية، يقول المؤرخ باباسي.